الاستماع إلى “صمت” سعيد ميرزا

مقالات 24 أكتوبر 2005 0

حاولت قدر الإمكان الهرب من مجرى التحقيق القضائي في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، اسمع كثيراً. التقي بمن يعلمون. تتغلب عليّ حشريتي، اسأل، أُجاب، اعرف، اكترث أقل.
أتجنب المحقق السرّي في الصحيفة، يضعني في زاوية أسئلته. أذهب الى الناشر طلال سلمان. أجده عاد الى الوراء عشرات السنوات مخبراً يسعى للخبر في عنوان الصفحة الاولى كما العاشق الى “نسمته”.
أحدثه بما عندي تشاورا. اذا به يذكرني بالاتصال بفلان او علتان لسؤاله والتأكد مما يعرفه. استسلم أمام “الحرّيف” كما يسمي الدكتور أسامة الباز الاستاذ طلال.
أحاول اكثر. اقول له لديك “كولومبو” في الطابق الثاني، اتركني لاسبوعيتي. هناك الكثير من الغبار حول الحقائق الجنائية. لن تنجلي قبل صدور تقرير لجنة التحقيق الدولية.
صدر التقرير قبل ايام. فإذا به يزيد الغبار في فقرات. يزيحها في فقرات. انما بالتأكيد لا يضيع بوصلة الاتهام المباشر الى مسؤولين امنيين لبنانيين وسوريين.
عديد لجنة التحقيق الدولية 130 شخصا، بينهم 40 موظفا محليا، 27 محققا محترفا من الدرجة الاولى في بلادهم. سمعة ديتليف ميليس تغطيهم. فوق ذلك قرار مجلس الأمن الدولي 1595، استمعوا الى 400 شاهد.
كل هذا في خدمة تقرير مبدئي تحتاج الى كلمات منتقاة لوصفه دون جزم او حسم في ايّ من فقراته لقارئ محترف.
في التعابير القانونية تستعمل كلمة الاستماع وصفا لمقابلة بين محقق وشاهد. بعدها تتم تبرئة الشاهد او الاشتباه به وتوقيفه، تسنى لي منذ بدء عمل اللجنة الدولية للتحقيق في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ان “أستمع” مرتين الى مدعي عام التمييز سعيد ميرزا بصفته منسقا ومشرفا وشاهدا على عمل اللجنة.
لم أسمع منه شكوى. لم أرَ فيه نفاد صبر. لم تظهر عليه الرغبة بمعرفة اكثر مما يعطى له، او يشاور فيه.
تشعر وأنت “تستمع” إليه انه لا يستسيغ دور الشاهد. ولا يرغب في بذل جهد خاص لمعرفة ما غاب عنه من معلومات.
هو متأكد ان المعلومات ستأتيه بالشكل المناسب، في الوقت المناسب، دون ان يتحرك من مكتبه. يعتمد سياسة الصبر الصامت، الهادئ، الرصين.
أسأله تحديداً يعطيني من طرف الجواب كلمات عامة، واضحة، كيف؟ لا اعرف، لكل أسلوبه، وأنت تستمع إليه تعتقد انه ملّم بكل التفاصيل والعموميات. أولها ما في مونتفردي حيث اللغات متعددة، كذلك الشهود، وآخرها في وزارة العدل حيث العربية هي اللغة المعتمدة.
لا تحتاج الى خبرة في التحقيق حتى تعرف ان ما قرأته في التقرير »المعلن على الاقل« لا يحتاج الى جيش من البشر. ما عدا الجانب التقني الذي لا تستطيع الدولة اللبنانية تحمّل مصاريفه.
إذا “استمعت” الى خبرة سعيد ميرزا تستنتج اكثر مما قرأته. صلابة صبره تجعلك تتأكد ان ما “تسمعه” منه هو الحقيقة. هذا إذ “استمعت” إليه. هو يتحفظ على هذه الاستنتاجات، كما تحفظه في الكلام.
يعتبر التقرير بداية جدية لتحقيق لم يكتمل بعد، حصّة اللبنانيين في اكتماله اكبر. حيث الصبر الصامت لسعيد ميرزا هو الطريق الى الحقيقة.