“الإستحقاق” مع علي حمادة – عشرة أشهر على الثورة السورية: التدويل 

مقابلات تلفزيونية 04 يناير 2012 0

 

س- نبدأ بالموضوع الداخلي وبعدها ننتقل الى الموضوع السوري؟

ج- الموضوع السوري أيضاً موضوع داخلي.

س- الموضوع السوري موضوع داخلي أستاذ نهاد أنت قلت هذا عن حق، ولكن دعني أسأل عن موضوع هو مرور تقريباً سنة على إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري وتكليف الرئيس نجيب ميقاتي، ونصف هذه المدة ذهبت في التشكيل والنصف الآخر في العمل – إذا جاز التعبير- أولاً هل يصح القول انه بعدما نجح الرئيس ميقاتي إمرار تمويل المحكمة، لماذا تضحك؟

ج- تعبير بعدما نجح في إمرار يلزمها بعض التدقيق، وأعتقد ان هناك وقائع مختلفة لما تتحدث عنه.

س- بعدما نجح في إمرار تمويل المحكمة الخاصة بلبنان، يبدو ان الرئيس ميقاتي والحكومة تلقيا جرعة منشطات كُسر الحُرم الخارجية أو نوع من المقاطعة الدولية عبر توجيه دعوة رسمية للرئيس ميقاتي الى فرنسا، ويبدو ان الرئيس ميقاتي يعمل على تنمية وعلى تزخيم وتلميع صورته كمدافع عن حقوق السُنة في البلد، وانه يواجه الجنرال عون المعادي للسُنة- إذا جاز التعبير- معركة داخل البيئة السنية، هل يجوز قول ذلك؟

ج- أولاً هناك مبالغة وتكرار وفولكلور باستعمال كلمة السُنة والدفاع عن السُنة، فالسُنة ليسوا في خطر لا مع الرئيس ميقاتي ولا قبل الرئيس ميقاتي ولا بعد الرئيس ميقاتي، وإلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا، السُنة أهل الأمة ليسوا في خطر ولا يخافون على وجودهم، ولا يخافون على مصالحهم من أجل تقنيات قليلة تتعلق بتعيين فلان أو إبعاد فلان، أو بمواجهة علتان، هذا فولكلور لبناني لا علاقة له بالعقل السني ولا بالتفكير السني، ولا بأهل الأمة، نحن لسنا صغاراً الى هذه الدرجة، نحن الاساس ونحن عدد ونحن مدى ومدد وقدرة، بالتالي فليأتوا بأي موظفين يريدون، لا يجوز تصغير الأمور الى تقنيات، فالسياسة ليست تقنيات، هذه الحكومة عندما شُكلّت وليس عندما كُلّف بتشكيلها، جاءت من أجل ثلاث مهام:

المهمة الأولى: حماية السلاح

الثانية: حماية النظام السوري

الثالثة: محاولة القضاء على المسار الدولي للمحكمة.

الآن فشلت هذه الحكومة، فقد تدخلت دولة روسيا مع الدولة الإيرانية التي بدورها تدخلت مع “حزب الله” وفرضت هذا المخرج، وبالتالي هذا نجاح لا يُسجّل لأحد، ولذلك فإن تحويل الأمور الى تقنيات يُصغّرها جداً، المحكمة الدولية حقنا على الدولة اللبنانية ونأخذه من هذه الحكومة ومن سابقتها والتي ستأتي بعدها وفي كل لحظة، لا أحد يستطيع إلغاء هذه المحكمة، وكفى مُبالغة فولكلورية، وتشبيه موضوع المحكمة بموضوع صراع المقاعد أو صراع الفولكلور الوزاري الدائر بين رئيس الحكومة وبين الجنرال عون أو “التيار الوطني الحر”، وهذه تفاصيل صغيرة جداً جداً.

س- لكنها تفاصيل أساسية لرئيس الحكومة؟

ج- هذه ليست أساسية إنما أساسية بما يتعلق بدوره كرئيس حكومة. على كل حال رغم كل ما قيل والفولكلور الذي شاهدناه، ماذا حصل في الجلسة الأخيرة بما يتعلق بزيادة الأجور؟

س- سقط الإتفاق بين الإتحاد العمالي والهيئات الإقتصادية؟

ج- قبل أن يسقط، الرئيس ميقاتي توصل الى اتفاق رعايته كرئيس حكومة ودخل به الى مجلس الوزراء وهذا الإتفاق لم يكن معروضاً للتصويت أصلاً، هذا اتفاق يرعاه رئيس الحكومة وترعاه الدولة، ليست الدولة من يُقرر في هذا الأمر، فلو كان هناك فعلاً حفاظ على رئاسة الحكومة وعلى صلاحيات رئاسة الحكومة، كان على رئيس الحكومة أن لا يسمح بالتصويت على مشروع قانون، لأن الدستور يعطيه الحق بمنع التصويت على هذا القانون. 

ففي اللحظة التي يقف فيها لا وجود لمجلس الوزراء، عليه أن يُشرّف رعايته قبل ذلك للإتفاق الذي تم بين الإتحاد العمال العام وبين الهيئات الإقتصادية، فعندما لا يستطيع حماية هذا الإتفاق لا يمكن أن يدّعي انه يحمي صلاحيات رئيس الحكومة، وبالتالي لا يبيعنّنا أحد من بضاعتنا، نحن نبيع بهذه البضاعة.

هذا وضع حكومي هجين لا علاقة له بالوضع اللبناني، حكومة مواجهة تتعثر كل يوم في ملف، وكلما فُتح موضوع يُقتح عليهم عشرة مواضيع، وكلما تبيّن ان هذا الأمر غير طبيعي، نبات غير طبيعي وزرع غير طبيعي، صياغة سياسية هجينة لا علاقة لها بالنظام، وبالتالي لا يمكن أن تعيش ولا يمكن أن تنجح، يُقال اننا قمنا ببطولات بإقرار المراسيم التطبيقية لمسألة النفظ فما علاقة هذا بالسياسة العامة للبلد؟ هذا مرسوم تقني لا علاقة له لا بالسياسة بالبلد ولا بتركيبة النظام، هذه البلد لا تُحمى إلا بالسياسة، لا تُحمى بالنفط ولا بالغاز ولا بأي شيء، حماية هذا البلد وأهله بأن تكون الحكومة نتاج سياسي طبيعي لهذا المجتمع السياسي الذي يتكوّن منه لبنان، وبالتالي علينا أن ننظر الى الأمور بعينين اثنين وعدم الدخول في تفاصيل مثل مرّروا هذا الملف ونجح في هذا الملف وفشل في هذا الملف، الأمور لا تكون كذلك.

س- إذاً أنت لست من القائلين انه تلقى جرعة منشطات؟

ج- هذا موضوع آخر، أصبحت مقايضات وليست منشطات، مقايضات صغيرة بحجم من يدّعي أو من يستطيع القول أو من يفترض بأن السياسة هي تقنيات، السياسة ليست تقنيات.

س- ما الذي يُبقي هذه الحكومة على قيد الحياة طالما ان الوضع كما تصفه الآن، وما دامت هجينة ومُتعثّرة؟

ج- ببساطة هو السبب الذي أتى بهذه الحكومة، هذه الأكثرية جاءت نتيجة لاستعمال وهج السلاح، هذه ليست أكثرية طبيعية، وكلنا نعرف ولا نكشف سراً عندما كان وليد بك يقول ان المسدس في رأسي، وبالتالي من أتى بهذه الحكومة بهذه الطريقة يبقيها على قيد الحياة بالطريقة نفسها، وهي تقوم بمهامها العجائبية في أكثر من مجال، بالتصويت بالجامعة العربية لصالح النظام السوري بمواجهة 21 دولة عربية، وبالتصويت في الأمم المتحدة في مجلس الأمن بالطريقة التي تمت. 

وما أريد أن أقوله ، دعنا نرى الأمور على حقيقتها وكفى نأخذ الأمور الرخيصة بسعر غالي جداً.

س- دعنا ننتقل الى موضوع الأداء الحكومي وداخل الحكومة بالنسبة للتصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع، هو رجل مسؤول في وزارة أساسية سيادية – إذا صحّ التعبير- إذا كان ما يزال هناك سيادة؟

ج- هي سيادية، الوزارة سيادية لكن ربما تصرّف الوزير غير ذلك، ولكنها وزارة سيادية.

س- على كلٍ إذا كان هناك شيء سيادي بعد في البلد؟

ج- كل السيادة مازالت موجودة في البلد، وكل ما تراه الآن زائل.. زائل، وكل ما تراه هو حالة طارئة زائلة، والأيام القادمة وليست الأيام الطويلة، بل الأيام المتوسطة ستُظهر بأن السيادة لا تزال هي الأساسي وهي المكوّن الطبيعي لكل اللبنانيين.

س- قضية الحدود مع سوريا القضية التي أثارت لغطاً كثيراً، تصريحات وزير الدفاع والتصريحات المتناقضة والمتباينة من وزراء آخرين ومن شخصيات هربوا من الموضوع، رئيس الجمهورية هرب من الموضوع، رئيس الحكومة نفض جاكيتته ليس له علاقة ولم يسمع بشيء، ويأتي أحد الأقطاب الموارنة الأستاذ سليمان فرنجية ليُدافع عن وزير الدفاع؟

ج- أولاً هل أستطيع الإجابة على السؤال بسؤال؟ هل هناك من يُفسّر لنا لماذا وزير الدفاع أعلن للرأي العام اللبناني بأن هناك احتمال أو وجود عناصر للقاعدة في عرسال؟.

س- عندي جواب رجل شفاف؟

ج- وزير الدفاع ليس من مهامه إطلاق تصريحات ولا مهمته أن يكون شفافاً، هو ليس مدير بنك، وبالتالي ماذا يُبلغهم؟ بأن هناك شيء خطأ، أنت ممكن أن تُبلغهم بأنك قمت بواجبك، أنه كان هناك خطأ وأصلحته، أما أنت أتيت وأبلغتهم وأعلنت للرأي العام اللبناني العربي والدولي، هذه الكلمة المُسمّاة قاعدة ليست موجّهة الى اللبنانيين، هذه عابرة للحدود الى الدول العربية والى العالم.

أنت كوزير دفاع أعلنت للرأي العام بأن هناك عناصر للقاعدة أو جهود للقاعدة أو أسلحة للقاعدة في بلدة عرسال على الحدود اللبنانية-السورية. أنا كمواطن لبناني لماذا تُبلغني بهذا الأمر، هو لم يقم بإبلاغي أنا، هو يُمرّر الرسالة التي استلمها من السوريين بواسطة الأجهزة الأمنية، لأن السوريين كانوا بحاجة لهذه الرسالة أن تأتي على لسان وزير الدفاع لكي يستعملها في وقت لاحق نائب وزير الخارجية السوري، بعد 48 ساعة استعملها وليتهم أمهلوا الخبر أسبوع واحد على الأقل، لكي يستوي في أذهان الناس، إنما استعملوه قبل أن يستوي وأرسلوا رسالة الى امين عام الأمم المتحدة يستندون فيها الى كلام وزير الدفاع، وبعدها يأتي الوزير فرنجية ليسأل كيف تركتم وزير الدفاع وحيداً، هم فعلاً تركوه وحيداً، وأنا هنا أُدلي بمعلومات، أن وزيرالدفاع سأل كبار المسؤولين عن هذا الموضوع قبل أن يُصرّح، وأولهم رئيس الحكومة، ورئيس الحكومة كان على اطلاع على هذا الموضوع قبل أن يُصرّح وزير الدفاع، ولكن عندما كبرت القصة قالوا نحن ليس لنا علاقة وخرجوا جميعاً من الموضوع، وهذا كان واضحاً في كلام الوزير فرنجية بتحميله المسؤولية للدولة ولكبار المسؤولين عن الدولة، هو تعبير عن الواقعة التي ذكرتها لك، وأنا أؤيده في هذا الجانب، ولكن في جانب آخر استسهال التعابير عن الشعب السُني وشعب عرسال، أولاً لا يوجد سوى الشعب اللبناني، يوجد سكان عرسال وسكان بيروت وسكان صيدا، وعرسال قرية أهلها أبطال شجعان، ولكن ليس لأنهم سُنة بل لأنهم لبنانيين، وهذا حادث ليس له علاقة بأن السُنة لديهم مشكلة في عرسال، وبالتالي كل السُنة في لبنان بخطر هذا غير صحيح، فلا سُنة عرسال بخطر ولا سُنة لبنان في خطر، أما من هو في خطر فمن يعتقد بأنه يستطيع أن يستخف بعقول الناس الى هذه الدرجة.

س- أشرت في سياق حديثك ان وزيرالدفاع استند الى معطيات زوّدته بها أجهزة أمنية، هذا كلام كبير، ويعني ان الأجهزة الأمنية فاتحة على سوريا؟

ج- هذه الطريقة التقليدية المعتمدة منذ خروج الجيش السوري من لبنان.

س- تقصد ان مخابرات الجيش فاتحة على سوريا؟

ج- لا أعرف من هو الجهاز الأمني، أنا لا أستطيع تسميته لأنه لم يذكر مخابرات الجيش، وزير الدفاع قال الأجهزة الأمنية زوّدته، وبالتالي لكي أكون دقيقاً لا أستطيع أن أنوب عنه لأقول من هو الجهاز الذي أبلغه، ولكن الجهاز الذي زوّده بالمعلومات استند الى معلومات من الأجهزة السورية لأنهم كانوا بحاجة اليها لتغطية التفجيرات التي حدّثت على أبواب مقر المخابرات في دمشق.

والخلاصة ان هذه طريقة تقليدية جداً على الطريقة اللبنانية، عندما ينشرون خبراً في جريدة كويتية ويبنون عليه حوار ونقاش وخلاف لمدة عشرين يوماً من السياسيين اللبنانيين، وبالتالي استعملوا نفس الطريقة، لكنهم لم يعطوها الوقت الكافي لتستوي، كانوا في عجلة من أمرهم ولم يستطيعوا تغيير الطريقة لأنه من يشاهد تلفزيون، رأى ببساطة سرعة التبني الخيالية لوزارة الخارجية السورية لكلام وزير الدفاع اللبناني، فخلال نصف ساعة تبيّن من هو القاتل ومن هو القتيل، ونوع السيارة ولونها فجأة كأنهم يقرأون على صفحة بيضاء كل ما حصل، وواضح ان هذه تركيبة أمنية مشغول عليها من أكثر من جهة وقع في فخها وزير الدفاع، إذا أردنا أن نُحسن الظن، وأن لم نقل هذا جزء من المهمة التي جاءت من أجلها هذه الحكومة، وهي تقوم بواجباتها في هذا الموضوع على أكمل وجه تجاه النظام السوري.

أنا أرى ان قصة الحديث عن القاعدة يُشبه قصة الحديث في “النيويورك تايمز” عن المخدرات وتبييض الأموال، هذا كله تدمير للبنيان اللبناني وليس للبنيان السني ولا الماروني ولا الشيعي، هذا يكسّر بنيان البلد، أنهم يُعيّنون لبنان بلداً متخصصاً بالقاعدة وتبييض الأموال والمخدرات، وكأن لبنان ليس بلدهم، يتصرفون تجاه لبنان وكأنه ليس بلدهم ولا كأنه مسؤوليتهم ولا هذا شعبهم تحت شعار شراء الإستقرار، وبالتالي عليكم أن تقبلوا بالغلط وبالكذب وبالظلم وبالمخدرات وبالقاعدة، ولكن نعطيكم مقابل ذلك الإستقرار.

س- بيروت الكبرى منزوعة السلاح، واستطراداً الحوار حول الإستراتيجية الدفاعية الذي مازال يدعو اليه الرئيس ميشال سليمان.

دعنا نقول ان هناك تشكيك بهذا الطرح الذي تدورون وتجوبون به، وهو موضوع بيروت منزوعة السلاح، وأنتم تعرفون انكم لا تستطيعون نزع السلاح وبأن “حزب الله” لن يسحب سلاحه، وان أصغر ميليشيا موجودة في بيروت أو خارجها لن تسحب سلاحها، وان بيروت عملياً مدينة محتلة باعترافكم واعتراف الكثيرين، النقطة التي تتعلق بجمهوركم، جمهور السيادة والإستقلال، هذا الجمهور يأخذ عليكم بأنكم قصيري النفس، يعني تطلقون شعاراً جميلاً جداً وبعد أسبوع أو شهر أو أكثر تنسوه وتنتقلوا الى شعار آخر، ثم تعودون وتنتذكروه بعد فترة، لماذا هذا الإنطباع لدى الجمهور الذي يأخذ عليكم عدم استقراركم؟

ج- أولاً: الجمهور دائماً على حق في كل ما يقوله.

ثانياً: موضوع بيروت منزوعة السلاح طُرح بشكل جدي لأول مرة بعد الإشتباكات التي حصلت في مناطق بيروتية كالزيدانية وعائشة بكار ومناطق أخرى كبرج ابي حيدر بعد اتفاق الدوحة المشؤوم، والذي أدى الى ما أدى اليه من خلل سياسي في النظام، وكان هناك محاولات جدّية من مجموعتنا السياسية في هذا الإتجاه، ولكن الظروف اختلفت بالإحراج الذي كان سببه في ذلك الحين ان الحكومة التي يرأسها سعد الحريري تضم كل الجهات السياسية المعنية بهذا الحديث، وبالتالي افترضنا ان متابعتنا في ذلك الحين واستمرارنا دون هوادة في هذا العنوان وكأنه موجّه لاستمرار العمل الحكومي، وهذا ما لم نكن نريده بصراحة.

أما الآن فالأمور مطروحة بطريقة مختلفة، في الفترة الأولى طُرح الموضوع باعتبار انه موضوع مواجهة نتيجة الوجع الذي أصاب الناس بسبب الفلتان وبسبب السلاح و7 أيار وما تبعها من اشتباكات عنيفة في برج ابي حيدر وفي أكثر من مكان وفي الجبل.

الآن الموضوع مختلف، الطرح الآن يقوم على الآتي: لبنان الآن يمر بظرف من وجهة نظري، شبيه بالعام 1981، وماذ يعني عام 1981؟ يعني اهتزاز اقليمي، مشاكل دولية، زلازل مذهبية، اشتباكات يومية بين الحلفاء، حديث لا يتوقف عن المخدرات، نصابين ينصبون أموال الناس تحت شعار الإستثمار ويفرون، اشتباكات يومية في الفاكهاني وطريق الجديدة على الجامعة العربية وغيرها وغيرها، الآن يتكرر نفس الموضوع بدون أن ينتبه أحد لذلك، بأن 14 إشكالاً أمنياً كبيراً وقعوا في الضاحية الجنوبية أو الضاحيتين الجنوبية والشمالية لبيروت، ولكن ربما 12 منها في الضاحية الجنوبية واثنان في الضاحية الشمالية من نفس المجموعات السياسية، من نفس الحلفاء ونفس العائلات ونفس الأصدقاء،

وهناك أربع إشكالات أمنية كبرى بنسب مختلفة منها الإشكالين اللذين وقعا مؤخراً في الزيدانية، وكل هذه كانت حروب حلفاء. هذا دليل ان فكرة الدولة تتراخى وهناك استباحة أكثر وأكثر لاستعمال السلاح حتى بين الحلفاء، فكيف يمكن أن ترى كل هذه الصورة أمامك والبلد يتعرّض لهذه الطريقة بدون أن تبادر الى القيام بمبادرة سياسية؟ ومنذ اللحظة الأولى ومن على باب الرئيس بري قلت بأن هذه المبادرة هدفها التعاون بين كل القوى السياسية على إيجاد ليس منطقة آمنة، بل مهبط آمن أو هبوط آمن أو هبوط ناعم للزلازل التي تحيط بنا من كل جانب، هناك أمور كبيرة تحصل في العراق وفي إيران وفي الخليج ومع الأميركيين والثورة في سوريا، هذا كله يحيط بنا وكله يُترجم في الداخل بأشكال أمنية، وما أنزل الله بها من سلطان.

س- ولكن ماذا من الناحية العملية؟

ج- من الناحية العملية نحن كمجموعة سياسية والمقصود بهذه المجموعة السياسية تدريجياً هو نواب بيروت والمتنين وليس نواب بيروت فقط، كل النواب المعنيين عليهم أن يجلسوا ويتفاهموا ويختلفوا ويناقشوا وأن يكتشفوا، ولندع الناس تقرر من يريد ومن لا يريد، نحن نتحدث عن السلاح الذي يُقلق حياة الناس يومياً في قلب الضاحية الجنوبية وفي قلب الضاحية الشمالية وداخل الأحياء البيروتية.

هذا له هدفان: سيقول البعض بأن هذا هو سلاح المقاومة، ولكن هل يوجد سلاح للمقاومة في شارع المقدسي؟ أبداً إنما هناك سلاح للحزب القومي وليس للمقاومة، وهل يوجد سلاح للمقاومة في الزيدانية؟ أبداً إنما هناك سلاح لحركة “أمل” وسلاح لـ”حزب الله” ولتنظيمات أخرى، أشكال وألوان من التنظيمات ولا يُقنعنا أحد بأن هذا سلاح مقاومة.

ثانيا: هناك من يعتقد بأن وجود السلاح، يستطيع بوجوده أن استعمله أو لم يستعمله انه قادر على تغيير المعادلة السياسية الداخلية، وهذا ما حصل حكومياً في 25 كانون الثاني 2011، ولكن من يعتقد ذلك عليه أن ينتبه لأمر واحد بأننا الآن في كانون الثاني 2012 ولم نعد في الـ2011.

ثالثا: هذه الثورات التي تحدث في كل مكان ليست غريبة عنا ولا نحن غرباء عنها، وبالتالي كل هذا السلاح لم يعد باستطاعته أن يُغيّر المعادلة الداخلية.

هناك مجال طبيعي للتعاون كي لا أقول للحوار، لأن الحوار هو مسؤولية طاولة الحوار، للتعاون في هذه المنطقة التي تضم كل القوى السياسية على التعاون لمحاولة تحقيق سلم أهلي، فنحن لسنا مسؤولين عن السلم الحكومي، بل عن السلم الأهلي، وهذا الأمر يجري بطريقة تدريجية هادئة بسيطة بدأنا بالتشاور، زملاء لنا زاروا رئيس الجمهورية مع الأستاذ تمام سلام، وزملاء آخرين زاروا رئيس الحكومة مع الدكتور حوري، وزملائي وأنا زرنا الرئيس بري.

س- الذي طالبكم بخطة تنفيذية، أين الخطة؟

ج- كلا هو طلب تصوّرا واقعياً وعملياً، فهناك فرق، فنحن لسنا جهات أمنية لكي نُقدّم خطة، نحن معنيين بالتصوّر العملي لشكل من أشكال تحديث الفكرة أو تحديد الفكرة التي نتحدث عنها، والحوار جاري اليوم وكل يوم مع كل القوى السياسية المعنية بهذا الموضوع بدون توقف وبهدؤ وبروية وتعقل.

س- كيف يمكنك أن تستميل تنظيم “حزب الله” أو حركة “أمل” اللذان يحملان السلاح وإقناعهم بأن هذا لصالحهم؟

ج- أولاً أنا لا أريد استمالتهم ولا إقناعهم، أنا أريد أن أقول ان هذا الأمر لصالح كل اللبنانيين، ليس لصالحه فقط، بل له ولغيره ولصالح الناس في الشارع، ألا تضم الضاحية الجنوبية ناس طبيعيين يحبون الحياة؟ وأليس هناك استثمار ومحل يُقفل عندما يحصل إطلاق نار؟ وأليس هناك سيارات تتحطم عندما يقع إطلاق النار؟

س- لنفترض انهم غير راضين وهذا الأمر ربما لا يكون صحيحاً؟

ج- أنا لا أفترض، ولكن أنت قلت كيف تُقنعهم بما انهم رافضين. أنا ما سمعته حتى الآن ليس فيه أي من الرفض، وبالتالي هذا الباب مفتوح بهدؤ وروية وتعقل وتعاون بين جميع القوى لإيجاد منطقة آمنة، قد تقول هذا مستحيل، أجيبك: لا شيء في السياسة مستحيل، ولنواكب هذه الزلازل بدل تجاهلها، ونجد أنفسنا أمام مشكلة نعرف أولها ولا نعرف آخرها.

عندما قلت للرئيس بري هذا الكلام عن العام 81، أجابني ما أحلى المواجهة مع إسرائيل أمام الفتنة المذهبية التي تُهدّدنا، وبالتالي هناك مجال للحوار وللأخذ والعطاء، وربما هناك مجال للوصول الى نتيجة.

س- قلت سوريا والثورة دائماً لماذا استاذ نهاد؟

ج- دائماً لأنها فعلاً هي همّ لناس، هذه الثورة موجودة في ضميرهم وهذا همهم وهؤلاء أهلهم.

س- هل يصح القول بعد كل الثورات العربية التي مرّت بأن الثورة السورية بعد مرور عشرة أشهر فعلا هي الثورة بالمعنى الواسع؟

ج- طبعاً طبعاً، أولاً صمودها واستمرارها وقدرة أهلها على المواجهة والصبر والصمود والإيمان، لم يمر أحد سواهم بالظروف الصعبة التي يمرون بها، ومع ذلك مازالوا يرفعون راية الحرية والعدالة والكرامة، ويستمرون في حركتهم رغم كل الدم، ورغم كل القهر ورغم كل التصفية ورغم كل التعذيب، هذا مجال إكبار عظيم سيسجّله التاريخ لهذا الشعب السوري.

س- من خلال متابعتك للتطورات هل ترى مجالاً للتسوية السياسية لمرحلة انتقالية مع النظام؟

ج- أنا أدّعي اني منذ اللحظة الأولى قلت وأكرر الآن وسأكرر دائماً هذا النظام لا يستطيع أن يُنتج لا إصلاحاً ولا تسوية ولا حتى تجميلاً، هذا نظام قائم على العقل الأمني الذي يقول بقدرته الغير مُنضبطة والغير محدودة على قهر وتعذيب وظلم الناس وإلزامهم بما لا يريدونه. هذه مسألة أصبحت واضحة ولا يمكن مناقشة أي احتمال من احتمالات التسوية، طبيعة النظام لا تسمح، هذا النظام نشأ على هذه القاعدة، على الظلم والقهر والإعتقال والتعسّف والتعذيب، فكيف يمكن أن يتحوّل فجأة الى نظام قادر على التسوية مع أي جهة، ومن ثم هو لا يعترف بوجود أزمة، هو يقول في كل أدبياته بأن هناك مؤامرة تقوم بها مجموعة من المسلحين الإسلاميين، مرة يُسميهم إخوان ومرة سلفيين، يقول هناك مجموعة من المسلحين السلفيين الإسلاميين يقومون بعمل مخالف للقانون، ونحن نتولى تأديبهم، وما تبقى من الشعب السوري كله معنا.

أنا لا أفهم عملية التأديب هذه التي أدت حتى الآن الى ستة آلاف وخمسمئة قتيل بوجود المراقبين العرب وبوجود أفكار التسوية و12 ألف معتقل وسبعة آلاف معوّق و15 ألف مفقود، وكيف يمكن إن جمعنا كل هذه الأعداد أن تخرج بتسوية، هذا تمرير وقت لأن المفتاح الروسي لم يدخل على الموضوع حتى الآن، هذه محاولات جادة وصادقة لكنها لن تؤدي الى أية نتيجة، النتيجة الوحيدة انه خلال أسابيع، أربعة أسابيع أو ستة أسابيع كحد أقصى، هذا الملف سيكون على طاولة مجلس الأمن.

س- ما هو تقييمك لعمل المراقبين العرب؟

ج- تجربة بدائية لأشخاص لا يملكون الخبرة، عندهم التزامات تجاه الدولة لا يستطيعون التخلّي عنها، وعلى الأقل ما رأيناه حتى الآن ربما يوم السبت نُفاجأ بأنه في التقرير الذي سيقدمونه الى مؤتمر وزراء الخارجية العرب يوجد كلام جدي مخالف لما سمعناه، ربما وأنا لا أقول ان هذا الأمر سيحدث، ولكن حتى حدوث ذلك الأمر هم شهود على الظلم.

س- ماذا عن عسكرة الثورة التي تتجه شيئاً فشيئاً نحو العسكرة، وشاهدنا على الـ”سي أن أن” مشاهد من قتال يدور بين عناصر في بابا عمر مع الجيش النظامي السوري؟

ج- لكن ما هو حدود هذا التسلّح، منذ يومين قيل انه تم العثور على كمية من السلاح والذخيرة على الحدود اللبنانية، فوجدت انها أربع قذائف “آر.بي.جي” فهل يمكن القيام بحرب بأربع قذائف “آر.بي.جي” هذا تسليح فردي لا قيمة له بالمعنى القتالي الكبير.

س- إذاً الى أين المآل؟

ج- هذا النظام أما أن تأخذه كله أو أن تنزعه كله، وهو ليس خاضعاً للإصلاح. طبيعته وتركيبته وتفكيره ومنهجه وسيرته وتاريخه ليس خاضعا للإصلاح.

س- هذه نظرة استقصائية لأن هذا النظام له صفة تمثيلية داخل شرائح سورية والنسيج الإجتماعي؟

ج- أنا لا أناقش الآن عقل الأقليات، لان هذا العقل ليس الآن وقت مناقشته، وأنا لا أريد ملاطفته ولا أن أقسو عليه، أنا أفترض ان كل الناس يريدون الحرية ويريدون العدالة، والظلم طال كل الناس وليس جهة دون أخرى، كفى مُبالغة بهذا الأمر بسبب بعض كبار الوجهاء في الطوائف الذين يظهرون على الشاشات ويدلون بآرائهم بهذا الإتجاه أو ذاك سواء من الشام أو بيروت أو من أي مكان آخر، فكل هذه تفاصيل، لأن الشعب السوري بغالبيته مغلوب على أمره ومظلوم ويثور الآن لتحقيق العدالة والحرية، وهذا النظام الآن لم يعد موجوداً سياسياً بل موجود أمنياً في هذا الشارع أو ذاك الشارع أو تلك المدينة، هذا النظام السياسي انتهى بأن لديه المفتاح الروسي الذي لم يقبل حتى الآن بفتح باب مجلس الأمن، ولديه الحليف الإيراني وليس لديه أي شيء آخر، وبالتالي النظام السياسي لم يعد موجوداً، هذا نظام سابق وكل الأمر يحتاج ان كل هذه التجارب ستتم تجربتها وكل الناس ستتحدث مع كل الناس، واليوم وزير الخارجية التركي موجود في إيران، وغداً نسمع وزير الخارجية السعودي في مصر، ومؤتمر وزراء الخارجية يبحث الموضوع، ولكن كل هذا لن يوصل الى شيء.

حتى المعارضة بين هيئة التنسيق في الداخل وبين المجلس الوطني الخلاف بسيط جداً، فالمجلس الوطني يريد أن يترك الباب مفتوحاً أمام التدويل لحماية المدنيين، وهيئة التنسيق تطالب بجيوش عربية لحماية المدنيين، وبالتالي الفرق بالهوية بين أن يكون أجنبياً أو عربياً. وعل كلٍ كلاهما أقرّ بعدم إمكانية التفاهم أو الحياة مع هذا النظام.

برأيي انه في شهر شباط بكل بساطة سيكون هذا الموضوع مطروحاً على مجلس الأمن، خلال ستة أو سبعة أسابيع من الآن، وهذا الأمر لا يمكن أن يؤدي إلا الى منطقة حظر جوي، والى مناطق عازلة والى عمل عسكري، ليس لأني أريد ذلك أو أحب ذلك أو أتمنى للشعب السوري ذلك، ولكن لأنه لا توجد طريقة أخرى، ليس هناك من طريقة أخرى لإنهاء هذا النظام، ولكي تعيش الناس بحريتها وباستقرارها وعدالتها وبكرامتها،غير هذا العمل، أما هم فقد صمدوا عشرة أشهر ولهم علينا كلنا الفضل بحماية الحرية وبكرامة الناس .

س- هل تعني من ذلك بأن الرئيس بشار الأسد كرئيس لن يكون جزءاً من مستقبل سوريا؟.

ج- واضح انه لا يمكن أن يكون جزءاً من مستقبل سوريا في وقت عمليات القتل والتعذيب مستمرة بأمرته، وقد تبيّن ذلك في اليمن حيث سال الدم هناك بعد سنة من المظاهرات في الشوارع المتقاربة والمتلاصقة ووصلت الى أرقام لم يسبقها إليها أحد من العرب، أنا أدّعي ومن التطور الطبيعي للأمور من الجامعة العربية الى منظمة المؤتمر الإسلامي الى مجلس الأمن الدولي، هذه تراتبية سنصلها، وكلها ستوصل الى أن مجلس الأمن والمجتمع العربي وبموافقة عربية سيتولى هذا الأمر

س- تقول التدويل خلال أسابيع، ماذا يعني التدويل؟

ج- التدويل هو الدواء. وألف بعيد الشر عندما شخص يكون مصاب بالسرطان هل يتناول البنادول؟ هناك محاولات تدريجية تجري عبر كل الوسائل وعبر كل الحوارات وعبر كل طرق الإقناع مع الإيرانيين والروس الذين لديهم مصالح استراتيجية يجب أن تؤمن، وهناك أرقام وضعوها والتي يعتقدون انها مناسبة لموقفهم، ولكن بالنتيجة هذا الأمر حتمي، هناك تطوّر تاريخي إلا إذا افترضنا ان دور الجامعة العربية ينتهي وينتهي دور منظمة المؤتمر الإسلامي ونصل الى مجلس الأمن الدولي وينتهي دور مجلس الأمن الدولي، ويبقى النظام السوري ويكون ذلك عجيبة من العجائب، ولكن زمن العجائب انتهى وهناك زمن طبيعي وتطوّر طبيعي، وهذا دواءه معروف ليس هناك عدّة أصناف، هناك حظر جوي وعمليات عسكرية.

س- كيف لا يرفض الملجأ الآمن وهو شخص امبراطور في بلده وحاكم؟

ج- أمبراطور أو دكتاتور دعنا نفرّق بين الكلمتين.

س- كلا أمبراطور؟

ج- الدكتاتور عنده خيارات محدودة عادة، أما النفي واما السجن وأما القتل، وليس أمامه خياراً رابعاً لأنه إذا كان لديه خياراً رابعاً فلن يعود دكتاتور، يُصبح رئيساً طبيعياً عنده قدرة على التداول السلمي للسلطة مع غيره، ويمكن أن يتصوّر ان يرى غيره رئيس وهو رئيس سابق، هذا الشيء لم يكن موجوداً لا في ليبيا ولا في العراق، هذه الأنظمة تُشبه بعضها والأشخاص يتشابهون ويكررون نفس الأخطاء، وبالتالي لا تنتظر أن يكون شيء مخالف لذلك.

س- هل تعتقد ان الرئيس بشار الأسد أو النظام كان يمكن أن يتدارك الأمور منذ اللحظة الأولى؟

ج- تقول كان يريد أو كان يمكن لأن هناك فرق؟.

س- أقول كان يمكن أن يتدارك الأمور منذ اللحظة الأولى أو قُضّي الأمر؟

ج- بالتأكيد كان يمكن له ذلك ولكن مستحيل انه كان يريد، يا أستاذ علي انت تتحدث عن نظام عمره خمسين سنة قائم على معادلة محدّدة، أمنية فقط لا غير، حتى هذه اللحظة هو يتصرّف بأن هذه المجموعة هي مجموعة مخالفة للقانون مؤلفة من 21 مليون سوري يجب تأديبهم ووضعهم في السجن، ومن تبقى والذين يتظاهرون معه يجب أن يبقى، حتى الآن ليس هناك من اعتراف بأن هناك مشكلة سياسية كبرى، وان هناك دم يُراق يومياً بآلاف وآلاف الناس، فهل يمكن إقامة تسوية على كل هذا الدم؟.

س- بكلمة واحدة هل انتهى بشار الأسد؟

ج- نعم. 

=======

.