“الإستحقاق” مع علي حمادة – جمهور رفيق الحريري: عنوان الوفاء

مقابلات تلفزيونية 11 فبراير 2009 0

س- هذا الأسبوع هو إسبوع 14 شباط ذكرى تخليد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هناك الكثير من الأوساط الشعبية ستنزل الى ساحة الحرية بدون تردد، وهناك الكثير من يسأل ما الفرق الذي سنحدثه في نزولنا ، وما هو الفارق بين النزول وعدم النزول والمشاركة في هذه الذكرى؟
ج- أولا، لا اوافق ان 14 شباط هي مناسبة سياسية، لأن المناسبة السياسية تقسم الناس بين موافق ورافض لها. 14 شباط هو مناسبة وطنية لأنه لا يمكن أن تكون لبنانيا ولا تعترض على مبدأ الإغتيال ، فكيف إذا كان على إغتيال شخصية بحجم رفيق الحريري؟ فالنزول الى الشارع للمشاركة في ذكرى الرئيس رفيق الحريري في ساحة الشهداء هو نزول للإعلان عن حقنا في الحياة، والنزول للإعلان ان موضوع الإغتيال ليس سيرتنا اليومية، وأيضا النزول ليس للإعتراض على إغتيال الرئيس الحريري، هو إعتراض على إغتيال كل الشهداء الذين إغتيلوا بدءا بمحاولة إغتيال الوزير مروان حمادة قبل إغتيال الرئيس الحريري ومن ثم الشهداء الذين توالوا بعد ذلك، من الزميل جبران تويني الى النائب وليد عيدو، للوزير بيار الجميل الى جورج حاوي والزميل سمير قصير وباسل فليحان الصديق العزيز الذي إستشهد مع الرئيس الحريري، وبالتالي النزول الى الساحة هو إعلان عن رغبة وحق بالتمسك بالحياة، وإعتراض على الإغتيال ، وهذا الإعتراض لا يخضع للنقاش السياسي في أن تعترض على الإغتيال أو لا تعترض، طبعا ستنزل لتعترض على الإغتيال، ولتقول أنا لي حق في الحياة الطبيعية، وأنا لا أقبل بسياسة الإغتيالات التي تطال رموزا لبنانية كبيرة وأبرياء ومواطنين لبنانيين. من يقرأ 14 شباط انها مناسبة سياسية عنده إشكالية.

س- لماذا؟
ج- لأن هناك لبنانيين يوافقون مع 14 شباط وهم كثر جدا جدا، وأنت ذكرت السُنة، ولكن برأيي، ان جمهور رفيق الحريري هو الذي يعبّر عن حقيقة معنى 14 شباط: أولا هو جمهور أوسع بكثير من الطائفة ، وأوسع بكثير من تيار هذه الطائفة، وأوسع بكثير حيث يضم اناس من كل الطوائف ومن كل التيارات، وباعتقادي انه حتى في تيارات المعارضة، هناك اناسا لا يمكن أن يوافقوا على الإغتيال، وبالتالي يستفيدون من إعتراض اللبنانيين على مسألة الإغتيال.

س- لكنهم يعترضون بشأن الجنرال ميشال عون، على تسييس هذه الذكرى وعلى سحب أو تحريف المعنى الوطني لها؟
ج- لقد كنت مسافرا، ولذلك لم أطلع على التفاصيل، ولكنني حاولت مراجعة بعض التصريحات وكان واضحا، ان الجنرال عون يقول كلاما كبيرا جدا يتعلق بكل العناوين.
أولا : لكي يسقط القدسية عنها.

ثانيا: عندما تدقق في كلامه خلال الشهرين الماضيين، يتضح ان لديه رغبة بتعبئة لفتنة بين السُنة وبين المسيحيين، لأنه يتحدث كل الوقت عن الرموز السُنية من الرئيس الحريري والرئيس السنيورة و”تيار المستقبل” وفرع المعلومات على مجلس الإنماء والإعمار ، على هيئة الإغاثة وهؤلاء جميعا للمناسبة، وبالصدفة يدخلون في خانة طائفة واحدة لبنانية ، ولكنني أعتقد انه من المستحيل ان ينجح، لأن موضوع الفتنة بين السُنة والمسيحيين موضوع تجاوزوه منذ زمن، وقدرتهم على التفاهم أقوى بكثير من قدرة الجنرال عون على إيقاع الفتنة بينهما.

هناك في مواقفه إزدواجية، فأما أنه يريد تكبير الخصومة لدرجة مع البطريرك ومع السُنة ومع المعلومات ومع…الخ ، تحسبا لنتائج إنتخابات ليست لصالحه ، ولكي يقول ان كل هذه الخصومة هي التي تسبّبت بهذه النتائج. وأما انه فقد توازنه وخاصة في كلامه عن محاكمة الرئيس الشهيد أو محاكمة الرئيس السنيورة لأنه أساء الى العلاقات اللبنانية – السورية.

وبطبيعة الحال هذا الكلام لا يمكن أن يصدر عن شخص عاقل سياسيا. وبالتالي من يريد محاكمة ومحاسبة الناس عليه أولا محاسبة الشهداء الذين كانوا معه ، والذين دُفنوا على مدخل وزارة الدفاع والذين لم تُنتشل جثامينهم إلا منذ فترة قصيرة، أي ما بعد العام 2006. ولكنني أعتقد انه ليس متوازنا، ولكنه يحاول تكبير حجم خصومه السياسيين، لكي يقول في ما بعد ان النتيجة حدثت نتيجة هذه الخصومة، وإلا لكان هناك الكثيرين الذين يستطيع الجنرال سوقهم الى المحاكمة بسبب إساءة العلاقات مع سوريا ، هو يستطيع ان يسوق نفسه الى المحكمة، مع العلم ان الرئيس الحريري بالتأكيد لم يكن عنده رغبة بالإساءة الى العلاقات مع سوريا، وبشكل أدق كان رحمه الله، من دعاة تنظيم طبيعي ولائق وإعتراف متبادل بسيادة كل دولة على أرضها، وتنظيم خروج لائق للأمن السوري من لبنان، باعتقادي هذا الأمر لا يُحاسب عليه بل يُكرم عليه.

ولكن دعنا نعود إلى مسألة 14 شباط، وهي مناسبة لإعلان حق كل لبناني يشارك فيها بالحياة، وهي إعتراض مبدئي مدني على الإغتيال السياسي، أوالإغتيال الشخصي، وهذه مسألة منفصلة عن الخصومة السياسية.

س- ألا تظن ان التعبير بالوسائل السلمية فقد قوته وزخمه، بعد الأحداث التي وقعت في لبنان؟
ج- أبدا، أبدا، أنا أعتقد ان التعبير بالوسائل السلمية، هو الوسيلة الأكثر إحراجا لكل الذين يحملون السلاح، لأنه بمنافستهم بالسلاح تكون، وكأنك تنافسهم بالأمر الذي تعوّدوا عليه ، فيما أنت لست خبيرا في السلاح، لأن غالبية المجموعة التي تمثل هذا التيار السيادي والإستقلالي، مجموعـة تعوّدت على العيش في كنف الدولة، ولم تخـرج ولا يوم من إطار الدولة.

س- لكن ألا تعتقد ان هناك قلّة في كل مجتمع من المجتمعات، عندما تحتكم الى السلاح، وتقتدر بالسلاح، تستطيع أن تغيّر مجرى الأمور، وتستطيع أن تُسيطر على الكثرة السلمية؟
ج- لا تستطيع أن تسيطر أبدا، لأن المطلوب في النهاية توقيع سياسي، وإلا ما أهمية الأحداث العسكرية إذا لم يكن لها إستنتاج سياسي.

أعتقد ان الوسائل السلمية هي الأنجع والأكثر قدرة فقول كلمة حق أقوى من كل السلاح، الممكن أن يكون موجودا لأي شارع. لا يجوز أن نتصّرف لا بالسياسة ولا بغير السياسة. ان 7 أيار ليس أول التاريخ وآخره، هي مرحلة من المراحل مرّت بأسوا ما فيها، مع إحترامي لمن وقع إتفاق الدوحة ببنديه، سواء الثلث المعطّل أو قانون الإنتخابات سيء الذكر.

ولكن على كل حال، هذه مسألة لا يمكن مواجهتها إلا بتعابير الإعتراض السلمي، ومسألة السلاح يجب نزعها من قاموس العلاقة بين اللبنانيين، ومن يهدّد ب7 أيار ثانٍ يكون إما فقد عقله، وإما انه يعتقد انه يستطيع جر الناس كل يوم الى التوقيع . هذه لها علاقة بموازين القوى في المنطقة وبطبيعة العلاقات في المنطقة، ونحن نتجه باتجاه مخالف تماما، نحن نتجه باتجاه المزيد من تنقية الأجواء بين الدول العربية، وبالتالي التفكير باستعمال السلاح مرة ثانية يجب نزعها من تفكيرنا، ويجب التصّرف على اننا دعاة المعارضة السلمية، وهؤلاء أصحاب الحق بقول رأيهم والإستمرار بقول رأيهم وإعتراضهم أولا على عملية الإغتيالات السياسية والشخصية وثانيا، على إستعمال السلاح بالنزاعات السياسية الداخلية، لا شيء يراكم مثل الإعتراض السلمي، لأن الكلمة أقوى بكثير وهي التي تستمر، والسلاح لا يستمر لأنه لا أحد يستطيع إختزال أحد في لبنان.

س- تقول هذا الكلام رغم ما حصل خلال السنوات الثلاث الماضية؟
ج- رغم كل ما حدث، وأنا مُصر على هذا الكلام، وأعتقد اننا غير مُدّربين بما يكفي على إستعمال الإعتراض السلمي والسياسي، ويجب ان نؤكد عليه كل يوم وأن نعتمده وسيلتنا الوحيدة، نحن جمهور مدني لا علاقة لنا بالسلاح، ولن نتنازل عن حقنا بإبداء رأينا بسلاح أو بغير سلاح، هذه مسألة لا نستطيع إلا ان نراكمها ، السلاح إستعمل مرة ولن يُستعمل مرة أخرى.

س- بخلاف التجربة الفلسطينية التي تعرفها وواكبتها خلال سنوات المحنة اللبنانية الأولى، لم يسبق ان كان في تاريخ لبنان، فئة واحدة متمكنة من السلاح، وعندها هذا الإمتداد وهذا الإقتدار وان تواجدت على هذه الأرض، وإستطاعت ان تعمل على تغيير موازين القوى ولها إيضا إمتداد إقليمي؟

ج- هذه الفئة عندها إقتدار، وعندها السلاح وإمتداد بمواجهة إسرائيل، عندما تواجه اللبنانيين تفقد الشرعية بكل هذا الكلام.

دعنا نتفق أولا على موضوع السلاح، السلاح موضوع الآن في خانة الحوار، وبالتالي ليس بالموقع الخطر الذي يمثّل هواجس وأوهام حوله، مسألة السلاح إذاً خاضعة للحوار، وهذه مسألة تأخذ وقتا طويلا ولها مفرداتها وإستراتيجياتها، والحديث عن إستراتيجيات لا أعتقد أن الآن وقت الدخول فيه.

لكن الحديث عن البعد الإقليمي، أصبح حديثا تقليديا ومكررا يوميا، ولكنني أعتقد وأصر على ان وسائل التعبير السلمية هي التي تبقى وهي التي تثمر، ولكنها تحتاج الى شجاعة أكثر ممن يحمل السلاح ، هي تحتاج الى أن نعبّر جميعنا عن رأينا ضد الإغتيال وضد إستعمال السلاح، وإعتماد الحوار وسيلة وحيدة للخصوم السياسيين، أو حتى للأصدقاء السياسيين بأن يجلسوا ويتحاوروا. اما أن نمضي الوقت بالقول انهم إستعملوا السلاح مرة ويُمكن أن يستعملوه مرة ثانية ومرة ثالثة، أنا لا أوافق على هذا الأمر، وأعتقد ان ميزان القوى لا يميل أبدا الى إستعمال السلاح مرة أخرى ، وأعتقد ان من لم يستعمله بموضوع غزة، لن يستعمله بالموضوع الداخلي اللبناني، وأعتقد أنهم لن يستعملوا السلاح مرة أخرى في الداخل لانهم لن يجدوا مرة ثانية من يوقّع لهم على شيء، وبالتالي ما هي قيمة إستعمال هذا السلاح ، هل ان تحتل الشارع والرصيف والبناية؟.

س- تتحدث كأنك روسي عندما دخلت الجحافل الألمانية، أو دخل الجيش النابوليوني ، وأخذ الجيش الروسي ينسحب وينسحب في المرتين الى ان جاء جنرال الشتاء الذي غيّر كل المعادلات؟
ج- أنا لا أقول بجنرال الشتاء، أنا أقول دعاة الإعتدال والمواجهة السلمية، معهم الوقت ومعهم الحق قبل الوقت، وهم مقصّرون بأن يراكموا على هذا المنوال دائما.. دائما.. دائما بحيث انه لا يتفرّع الحديث حول معركة ربحناها أو معركة خسرناها، المقاومة السلمية يلزمها تراكم لكي تستطيع التوصل الى نتيجة مُربحة.

س- كنت مساء أمس في لقاء للشيخ سعد الحريري مع مخاتير بيروت وناخبين من بيروت ، حيث قال: إذا نظرنا الى الصورة الكاملة ل7 أيار هي ليست إنتصارا لفئة على فئة، نحن لم نخسر في كل مكان، صحيح حصل هجوم على بيروت وعلى الجبل ، ولكن بالسياسة هناك مكاسب حصلت عليها هذه القوى”. هل توافق على هذا الرأي؟
ج- أنا لا أعرف ما هي هذه المكاسب، وأنا لم أكن موجودا في هذا اللقاء، وبالتالي لم أناقش الشيخ سعد بهذا الموضوع، ولكن إذا أردنا تمضية كل الوقت بالحديث عما مضى ونشكو منه ونتهم الآخرين كل يوم ، ونقول ان هذا الطرف هو المتهم وهو الذي تآمر علينا وفعل وفعل، فباستطاعتنا تمضية كل عمرنا ونحن كما يُقال بالبيروتي “ننق” . ولكن النق ليس سياسة، فالسياسة هي ان تتأكد من حقك بالإعتراض السلمي ، وان تكون شجاعا بالتعبير عن حقك بأن هذا حقك بالحياة لا أحد يستطيع ولا يجوز لأحد، أن يتخلى عن حقه بالحياة، حتى دينيا هذا حرام، فكيف تتخلى عن حقك بأن تقول رأيك سلميا وليس بالسلاح. هذا السلاح هو الذي يؤدي الى دمار البلد الذي بنيته وتعبت من اجله، وأنت أيضا بنيت الصلة بين الناس، بعد حرب أهلية دامت 30 سنة ، فلذلك دعنا لا نبسّط الأمور بأن هناك مجموعة عندها هدف سياسي، وعندها سلاح تتصرف بالسلاح على أساسه، ممكن أنها تصرفت مرة ولكن ليس كل مرة.

س- هناك كلام صادر عن قيادات “حزب الله” في ما يتعلق بالإنتخابات، بأن أيا تكن نتائجها لا تغيير عن القاعدة السائدة اليوم، أي الثلث المعطّل ، أي عدم تغيير واقع سلاح المقاومة ، والسلاح باق في كل الأحوال ، ما رأيك بهذا الكلام؟
ج- أنا قلت ان السلاح موجود الآن في خانة الحوار وسيبقى في هذه الخانة، وهذه مسألة منفصلة عن مسألة الترجمة السياسية، ما يعنينا بالموضوع هو الترجمة السياسية أيضا، من يقول ان السياسة ستستمر بمعنى الثلث المعطّل مهما كانت نتيجة الإنتخابات، كمن يقول أريد أن أترشح لرئاسة جمهورية فرنسا، الحرية بأن تقول ما تشاء ولو كان غير واقعي . هذا كلام خارج السياق السياسي الطبيعي. لذا فلننتظر الإنتخابات وننتظر نتائجها، وبعدها نحكم على الأمر، ولكن الإنتخابات لا تلغي السلاح من خانة الحوار ولا تنقله الى مكان آخر.

هناك إعتراف من الجميع، بأن السلاح موضوع في خانة الحوار، في كل جلسات الحوار كان السلاح موجودا على الطاولة .

س- لكن هناك كلاما ان هذا لتقطيع الوقت؟
ج- هذه مسألة وقت والحوار ليس دائما للوصول الى نتيجة.

س- ما هي قناعتك؟
ج- قناعتي انه لا بد من وجود لحظة إقليمية مناسبة، ليصبح الحوار حول هذا الموضوع جديا. لأنه لا يمكن ان يخلق شيء بعنوان كبير من هذا النوع فقط بعناصر داخلية، لا بد من توافر عناصر إقليمية أخرى، تساعد على حل هذه الإشكالية بين اللبنانيين.

فطالما ان السلاح هو لمواجهة إسرائيل، فهو موضوع في خانة الحوار، أما عندما يتوجه نحو اللبنانيين يوضع في خانة الرفض، هذه مسألة لها طبيعة، وهذه مسألة أخرى لها طبيعة أخرى ويجب ألا ندمج بين الإثنين.

س- ما هو المزاج الشعبي اليوم، بعد ثلاث سنوات من التطورات التي شهدناها؟
ج- هناك أوساط شعبية لا يزال مزاجها معكّر مما حدث في 7 أيار، ولكن هؤلاء الناس الذين يشعرون ان 7 أيار تاريخ مفصلي في حياتهم هم مخطئون، لان هذه مرحلة يجب ان يتجاوزوها، ويجب أن يؤكدوا كل يوم على حقهم بقول رأيهم، والتعبيرعن أنفسهم بطريقة سلمية تحرج كل العالم، وتُجمع حولهم كل العالم ، يجب نزع موضوع السلاح من الحوار بين اللبنانين، ولكن هذا لا يتم إلا بالتراكم ، بمزيد من الإعلان عن الموقف السياسي ، بمزيد من الإعلان عن الموقف السياسي السلمي وعن الموقف الوطني السلمي، لا يجوز ان يكون موضوع الإغتيال موضع نقاش ، أنا سمعت ما نقلته عن الجنرال عون، أنا لم أقرأ هذا الكلام ، ولكن هذا كلام غير عاقل، فكيف من الممكن أن تطرح مسألة حقك في الحياة للنقاش ، هذا إعلان عن حقي في الحياة، وحقي بأن أقول رأيي، وأن أمارس هذا الرأي لا أن أختبىء على خلفية ان الآخر معه سلاح، وأنا لا أملك السلاح. جيد الآخر إستعمل السلاح ليوم او يوماي ثلاثة، ولكن بعد أسبوع ما كانت النتيجة؟ هل يمكن إعادة تجربة 7 أيار والوصول الى الإستنتاج السياسي مثل الدوحة مرة أخرى؟ أنا أقول منذ الآن وعلى مسؤوليتي، ان هذا لن يحدث، لذلك لا لزوم للقنوط ويجب أن نتجاوز الأمر ونتقدّم الى الأمام.

س- ولكن إعتراض العماد عون يذهب أيضا، باتجاه الإعتراض على ان تكون هذه المناسبة، مناسبة حداد وطني أو تعطيل رسمي؟
ج- هذا كلام إنتخابي صغير وتفصيلي لا يستأهل الرد عليه، فهناك ملايين من اللبنانيين متعلّقون بهذه الذكرى، وتعني لهم الرغبة بالسلام وبالحياة وبالإستمرار وبقيام الدولة، وترانا نناقش تفصيلا متعلقا بما اذا كنا نعطّل أو لا نعطّل، هذا تفصيل إنتخابي لا يستأهل الرد عليه.

س- هناك تساؤلات كثيرة مع إنطلاق المحكمة الدولية، في الأول من آذار حول مدى فاعلية هذه المحكمة ؟ ماهو المنتظر من هذه المحكمة؟ ماذا يتوقع اللبناني من هذه المحكمة؟
ج- بمجرّد وجود المحكمة يجب أن تتوقع ان تصل الى نتيجة، وتصل الى الحق الذي يمنع حدوث إغتيال سياسي مرة أخرى، وإلا لماذا تنشأ المحكمة؟ المحكمة لا تنشأ لتزداد التساؤلات .

أعتقد انه منذ اللحظة الأولى لإنشاء المحكمة في الأول من آذار، يجب أن تتوقف التساؤلات ، ونترك المحكمة تقوم بعملها ، والواضح ان المحقق بلمار من خلال حديثه للصحف اللبنانية، يقوم بعمله بدقة متناهية ولا يزال يفتش عن ادلّة، وكان واضحا كيف تدرّج التحقيق.

س- كيف تدرّج برأيك؟
ج- أولا مع قدوم فيتزجيرالد المحقق الإيرلندي الذي حقق بشكل مبسّط، وإتخذ القرار من اللحظة الأولى، حيث أبلغ بعض اللبنانيين الذي إلتقاهم انه يجب توقيف الضباط الأربعة. ومن بعده أتى المحقق الألماني ديتليف ميليس، الذي كتب تقريرا واضحا حمّل فيه المسؤولية لشخصيات رسمية سورية، ولكن تم سحب هذا التقرير بطلب من الأمين العام للامم المتحدة بعد توزيعه. ثم أتى المحقق براميرتس لأن ميليس أحدث ضجة سياسية أكثر من اللازم بسبب حضوره الحاد، وتصّرف براميرتس وكأنه رئيس مختبر، أعاد التحقيق للبداية ليؤكد كل ما هو موجود في التقرير الأول.

الآن وحسبما أسمع، وحسب متابعتي لآخر تقرير لرئيس لجنة التحقيق الدولية بلمار، من الواضح، انه شخص يحدّد مهمته بدقة ، وهي البحث عن مزيد من الأدلّة لتأكيد الوقائع التي يعرفها والمدونة عنده، وهو لم يقل إنه يفتش على وقائع وعلى أشخاص، هو قال أنني أبحث عن مزيد من الأدلة التي لا تخضع للشك.

س- في ما يتعلق بهذا الملف ومسألة التخوّف من صفقة تتعلق بالمحكمة، أو من تسييس يتعلق بالمحكمة، تسييس لصالح إتجاه أو لصالح إتجاه آخر؟
ج- باعتقادي ان مسألة التسييس والصفقة مثل الحديث عن 7 أيار، يجب الا نقضي وقتنا نتحدث عنها، أصبح واضحا الآن منذ إنشاء المحكمة من 14 شباط 2005 حتى الآن، جرى الحديث عن صفقة، ولكن أيضا ولا مرة تمت هذه الصفقة. من غير المنطقي أن تكون هناك صفقة.

يجب الا ننسى اننا نتعاطى مع مجموعة من الناس عددها بالمئات ، مطّلعة على كل المعلومات وبالتالي فان القرار الظني الذي سيصدر ، يعمل عليه أيضا مئات الناس ، لذلك عمليا من بإمكانه إبرام صفقة حول هذا الموضوع ، حتى لو رغبت في ذلك لن تستطيع إبرام هذه الصفقة، لأن هناك على الأقل، 30 شخصا رئيسيا في هذه اللجنة، يعرفون كل الوقائع الواردة على الورق، هل بالإمكان الطلب منهم أن يصمتوا، وبالتالي من يستطيع ان يمون عليهم بأن يصمتوا.

عمليا، لا يمكن إبرام صفقة وتكفي هذه الأوهام التي تدور في أذهاننا، المحكمة ستنشأ في أول آذار، ولن تكون هناك صفقة على القرار الظني ، وأي كلام غير ذلك هو كلام غير علمي وغير موضوعي وغير عملي.

س- جزء من المعركة السياسية التي إستمرت خلال السنوات الثلاث الماضية، وصولا الى إتفاق الدوحة ، ألم يكن جزءا منها متعلقا بهذه المحكمة ، ومن يضمن اليوم انه بعد هذا الثلث المعطّل داخل الحكومة، أن تحصل “طحشة” على المحكمة لعدم التعاون، أو لكسر إمكانية التعاون بين الدولة اللبنانية والمحكمة الدولية؟
ج- من الآن حتى صدور القرار الظني، كل الناس تعمل وفق الفصل السابع الذي يُلزم الدول بالتعاون مع لجنة التحقيق، ومع إنشاء المحكمة، هذه المسألة لا يقرر فيها الأشخاص. حتى الآن لا يوجد مسؤول سوري رفض أن يُحقق معه والدليل انه في كل التقارير قيل سوريا تعاونت، وأيضا ليس هناك من مسؤول لبناني أو عربي أو دولي رفض التحقيق، لأن هذا الأمر يرتّب التزامات ومشاكل مع مجلس الأمن الدولي ومع الأمم المتحدة ، وليس مع لجنة التحقيق فقط، ويعمل وفق الفصل السابع الذي يُلزم كل الأطراف المعنية بالتعاون معه ، وإلا كيف إستطاعوا التحقيق مع كل هؤلاء الناس؟.

لا ننسى انه في وقت من الأوقات إستقبل الرئيس الأسد المحقق براميرتس ، هل حصل هذا بناء على رغبة فقط؟ هو تمّ بناءا على إتفاق قائم على الفصل السابع، الذي يُلزم كل الدول، وبالتالي دعنا لا نستعجل الخطأ وكأنه واقع، هذه مسألة مختلفة، وهذا جزء من التعبئة التي تجعلك تشعر وكأنك كل يوم ستخسر المحكمة، وستحصل صفقة بشأن المحكمة ، فمنذ ثلاث سنوات ونحن نناقش هذه النقطة وهي لم تحدث. وأنا أعود وأقول ، حتى صدور القرار الظني لا يمكن أن تحدث صفقة فهي عمليا غير ممكنة، وأكثر من ذلك لو كانت الإدارة الأميركية مجتمعة، ترغب بإبرام صفقة حول مسألة القرار الظني، لن تستطيع ذلك ، عمليا هذا غير ممكن.

جلوس المحكمة الدولية في الأول من آذار، مسألة كبرى جدا في التاريخ اللبناني الحديث، هذه مسألة تتعلق بالحق والباطل. عمل المحكمة الدولية، هو تحديد المتهمين ومحاولة إدانتهم ، وبذلك يُحصّلون حقك بالوسائل المدنية، لأنك غير مسؤول على ان “تأخذ ثأرك بيدك”.

س- هل من الواقعي ان يقال بأن المحكمة، ستغيّر من أساليب التعامل السياسي الذي يتحول بين وقت وآخر، الى تعامل عنفي لاستخدام بعض الانظمة وبعض الجهات وسائل الإغتيال في المنطقة، وهذا ما قاله بان كي مون بأنها سوف تغيّر طريقة التعاطي السياسية؟
ج- بالتأكيد ستترك أثرا كبيرا على المنطقة وعلى وسائل تعامل الناس مع بعضها أو الجهات السياسية مع بعضها، وبالتالي لا أحد يبحث عن المزيد من الإدانة أيا كان ، وأعتقد انه بعد جلوس المحكمة ، مجنون من يفتش عن تسجيل إسمه من جديد في لائحة المتهمين. عمليا لن يستفيد بشيء وبالتالي ماذا يفيده القتل مجدّدا.

سأروي هذه القصة: كنت في واشنطن في نوفمبر 2006 في مركز دراسات سياسية وكنا مجموعة نناقش قضايا المنطقة منهم دنيس روس ومنهم شخصيات أميركية وعربية، وقد وردنا خبر إغتيال الوزير الشاب بيار الجميل رحمه الله، وحينها راهنني شخص على الطاولة وهو من كبار الباحثين السياسيين في واشنطن، بأن الحكومة اللبنانية ستسقط خلال أيام، وأنا أصريت انها لن تسقط، لأن هناك مجموعة من الناس تؤمن بما تقوم به.

بصرف النظر عن الملف الشخصي، هذا أمر يُسجل للرئيس السنيورة، وهذه مسألة ليست بسيطة ، دفعنا ثمن المحكمة الدولية غاليا جدا ، دفعنا ثمنها دما وإعمار وشبابا، ودفعنا ثمنها مدنيين، هي لم تتم بسهولة.

لذلك أتمنى ألايتصّرف أحد تجاهها ، بأنه ممكن “لفلفتها”، أو ان “توضع في الجارور” هذا كله غير صحيح، بل ستصل الى المكان الصحيح.

س- يعني سقطت معادلة الفوضى أو المحكمة؟
ج- هذه المعادلة سقطت منذ البدء، وبصراحة سقطت منذ لحظة الإنفتاح الفرنسي على دمشق.

س- كيف ذلك؟
ج- لا أملك معلومات، ولكن بالإستنتاج السياسي البسيط ، من الواضح ان الإنفتاح الغربي له ثمن ولم يحصل مجانا، أو فقط لأن مزاج الرئيس ساركوزي يميل نحو الإنفتاح على سوريا ، هذا تم نتيجة إتفاق سياسي يتعلق بلبنان، عندما حاول الرئيس الفرنس مد يده الى الملف الفلسطيني، قيل له لا علاقة لك بهذا الملف، عليك بملف لبنان، وجزء من هذا الملف انه لم تعد مقولة الفوضى أو المحكمة مطروحة. المحكمة أمر واقع، والفوضى لا توصل الى مكان ولا تلغي المحكمة ، وحتى لو حصلت الفوضى لن تلغي المحكمة، التي قطعت كل مراحل الخطر الذي يتهددها، ويجب أن نثق تماما، بأن هذه القصة ستحصل، وهذه المحكمة ستنشأ، ولا يجوز ان نسأل يوميا ما إذا كانت ستحصل، مثل الذي يسأل كل يوم عن صلابة الليرة اللبنانية، فهل يعقل انه منذ 1992 حتى 2009 يتم طرح مثل هذا السؤال، وهل يجب أن تثبت العملة اللبنانية 150 سنة لكي يصدق من يسأل هذا السؤال، وهكذا بالنسبة للمحكمة. أعود وأقول المحكمة أصبحت أمرا واقعا.

س- بالإستنتاج هل تعتقد بأنه تم تعليق مرحلة الإغتيالات ام انها إنتهت؟
ج- لست خبيرا بالأمور الأمنية، لكن بالإستنتاج السياسي لم يعد مطروحا الفوضى او المحكمة؟.

س – بالتنفيذ أم الإستنتاج وهل القرار سياسي؟
ج- بالتأكيد لم يعد مطروحا المحكمة او الفوضى؟ المحكمة أمر واقع ، ومن يثير الفوضى لن يحصّل شيئا ولن يستفيد، وبالتالي لا تستطيع مخاطبة الغرب إذا كنت تهدّد بالفوضى.

س- أفهم منك انك تربط الإغتيال السياسي، فقط بموضوع المحكمة، أم أنك توسّع الأمر الى موضوع المعركة السياسية في لبنان أو بعدّة أوجه؟
ج- له عدة أوجه، ولكن مناقشته الآن أصبحت متأخرة، لأنه عمليا نحن الآن في طور جلوس المحكمة، ولا داعي لمناقشة ما إذا كان فلان قد قًتل لهذا السبب وفلان إغتيل لهذا السبب، ولكن بالتأكيد يعود جزء من الإغتيالات الى المحكمة ، أقول جزءا كبيرا، وليس كل الإغتيالات لا أستطيع الجزم، لأن ذلك يلزمه الخبرة والمعلومات الدقيقة إمتيازا وإستنتاجات سياسية وأنا لا أدعي أني أملكها.

س- سألتك هذا السؤال ليس إرتباطا فقط بالمحكمة ولكن إرتباطا بتصريحات تصدر للمرة الأولى من قادة أساسيين في المعارضة اللبنانية، على سبيل مثال النائب السابق الأستاذ سليمان فرنجية الذي قال ان “هناك إغتيالات لشخصيات أساسية ستشكل هزة في هذا البلد”، وهذا التصريح كان منذ حوالي أربعة أسابيع؟
ج- أنا لم أكن موجودا في لبنان وكنت مسافرا ولم أقرأه ولكن إذا كان قد قال هذا الكلام ، أعتقد انه من باب التهويل أكثر مما هو من باب الوقائع ، فلا أظن ان احدا يتحدث عن إغتيالات بناء على وقائع في مرحلة سياسية من هذا النوع، واضح اننا نمر الآن بمرحلة يريد فيها كل الناس التهدئة في لبنان والملف الآن إنتقل الى فلسطين.

س- تقصد ان لبنان في البراد؟
ج- طبعا وهذا واضح لماذا لا نرى هذا الأمر، ونوحي بأن هناك معركة. كل جهة تستعمل هذه اللغة لتخويف الجهة الأخرى ، ولكن هذا لايعني انها حقيقة فعندما يقول الوزير فرنجية او غيره من قيادات المعارضة اننا سنفعل كذا وسيحدث ذلك، وسنقوم بـ7 أيار ثانٍ ، هذا كلام سياسي لتخويف الآخرين. أهم شيء ان لا احد يتوهم ويكبّر الموضوع الآن. ملف سلاح المقاومة موضوع في خانة الحوار، وبقية المواضيع مجمدة الى حين إجراء الإنتخابات النيابية، وأي كلام آخر يقصد به هذه الإنتخابات، والتأثير على الناس فيها.

س- هناك في أوساط كثيرة تساؤلات، لماذا الإنتخابات إذا كنا سنتكرر تجربة الـ2005 -2008 بالحكم الذي هو حكم معطّل، هل هناك طريقة للخروج من هذه التركيبة تركيبة التعطيل في الحكم.
ج- أنا أسأل ما هو الخيار الآخر لأي تيار مدني،؟ سوى الذهاب الى الإنتخابات، هذه هي الوسيلة الوحيدة التي يعبّر بواسطتها عن رأيه.

س- كيف تدفع الناس للخروج من منازلهم والإنتخاب؟
ج- فقط بإقناعهم بان هذا الإنتخاب حق لهم ويجب عدم التخلي عنه ، يجب ان يذهبوا الى صندوق الإقتراع وإنتخاب الشخص المناسب من وجهة نظرهم وهذا لايندرج على جهة دون أخرى ، ولكن جمهور رفيق الحريري معني بأن يؤكد حقه في قول رأيه بالنواب الذين سيمثلونه في مجلس النواب، فلماذا سيتخلى عن هذا الحق؟

س- يلاحظ ان كل هذا يرتكز على صدى 7 أيار؟
ج- دعنا لا نبالغ بموضوع 7 أيار وكأن التاريخ بدأ في 7 ايار وإنتهى في 7 أيار، لا يوجد شيء في السياسة يبدأ في يوم وينتهي في يوم، والتاريخ كله لم يُكتب في ذلك اليوم، فهناك تاريخ قبله وتاريخ بعده.

الناس الذين نزلوا في الـ2005 عبّروا بطريقة مختلفة عن طريقتها التي يجب أن يعبروا فيها الآن. أنا أعتقد في ذلك الوقت ان جزءا كبيرا من التعبير كان عاطفيا فيه إغراق عاطفي عند الجمهور وهو ما دفعهم الى الإنتخابات.

اليوم، أعتقد ان نفس الناس ستنزل، ولكن بتقييم أكثر عقلانية، وبقرار يناقشون فيه من يناسبهم ومن لا يناسبهم بالتمثيل النيابي.

س-هل الموضوع فقط من يناسبهم ومن لا يناسبهم أم انك تذهب أكثر في اتجاه ان هناك صراعا بالسياسة اقله صراع حاد بين خيارين للبنان: خيار يمثله تيار رفيق الحريري وحلفاؤه، وخيار يمثله 8 آذار وحلفاؤه؟
ج- أين المشكلة في ذلك، باعتقادي ان هذا يعطيك سببا أكثر لكي تعبّر عن رأيك وتمارس حقك . الجهات المدنية، الناس، المواطنون، المدنيون الطبيعيون والعاديون عندهم وسائل تعبير محدّدة.

س- هل هناك كثيرمن الطبيعيين في لبنان؟
ج- طبعا طبعا هؤلاء الأكثرية هذه مبالغة إذا إعتقدنا ان اللبنانيين جميعهم تخلوا عن المنطق والعقل هذا غير صحيح ، هناك الكثير من الناس المدنيين ومواطنين وطبيعيين وحتما لديهم رغبة بأن يقولوا رأيهم وأن يستعملوا حقهم بالتعبير عن رأيهم.

س- أنا أقول هذا الكلام لأن التطرّف يجر الى التطرّف والإستقطاب الحاد يجر الى الإستقطاب الحاد في ظل هذه الحرب الإعلامية التي شحنت النفوس خلال ثلاث سنوات من 2005 -2008 والتي إنتهت أو تُوجت بـ 7 أيار؟
ج- يجب الإعتراف بأن ما حدث من حيث تحقيق العدالة أو ما سيحدث في الأول من آذار هو خطوة كبيرة . ولكن هذه مسألة كبرى تعطي الناس الذين نزلوا الى الشارع وقاوموا وإستعملوا الإعتراض السلمي في معركتهم يجب ان تعطيهم قوة إندفاع كبيرة.

أنت تقول ان التطرف يجر الى التطرّف. ولكنني لا أعتقد ان النائب سعد الحريري أو حتى الاستاذ وليد جنبلاط عندهم خبرة طويلة بالتطرّف. وعلى العكس يتصّرفان بتحريض على مزيد من السلم، نريد من الإعتراض السلمي مزيدا من التهدئة، وبالتالي التطرّف الواقع يبقى وحيدا ولا يجر الى تطرّف من أي مكان آخر.

أنا لم ألحظ في كلام الاستاذ سعد أو بكلام وليد بك منذ فترة طويلة حتى الآن أي شيء يجر لمزيد من التطرّف بالعكس يجر للتهدئة، ولإعتبار صندوقة الإقتراع هي الوسيلة السلمية لممارسة حقك في قول رأيك، هناك قانون إنتخابات سيء هذا صحيح، ولكن ممارسة الإنتخابات في صندوق الإقترع بقانون سيء أحسن من عدم الممارسة.

نحن ننسى اننا الوحيدون في هذه المنطقة الذين مازلنا نجري إنتخابات شبه طبيعية، ولدينا صندوق ولجان قيد وفرز طبيعي.

س- إخواننا الفلسطينيون كان عندهم شيء من هذا النوع في تجارب سابقة؟
ج- ولكن في ظروف مختلفة ، وبنتائج مختلفة ولكنها بالتأكيد تجربة جدية ، ولكن مختلفة عن تجربتنا، وصحيح عندنا قد يمدّد لرئيس الجمهورية وهذا أمر سيء، ولكنه بالتأكيد بعد ست سنوات، يحمل حقائبه ويرجع الى البيت، وهذا أمر غير موجود إلا في لبنان.

لا يزال هناك عناصر جدية في النظام المدني، يجب الإستفادة منها، الحد الأقصى من هذه العناصر الجدية هو الإعتراض السلمي وإعتماد التراكم بالإعتراص السلمي، وان يكون عندنا ثقة اكثر بأن هذا الإعتراض سيوصلنا الى نتيجة وممارسة حق الإقتراع والتأكد من مراقبة الشخص الذي إنتخبناه اذا كان يقوم بواجبه ام لا، لأننا أيضا تعوّدنا على عدم الإعتراض على الشخص الذي إنتخبناه إذا أخطأ أم لا، وهذه مسألة يجب أن يتعوّد الناس عليها. ولكننا نتجاهل هذا الجزء من الصيغة اللبنانية. ليس لدينا قائد الى الأبد، بل رئيس جمهورية يحمل حقيبته ويعود الى البيت مهما عظم شأنه ومهما كان مسنودا بالحد الأقصى.

إذاُ هذه مسألة إيجابية يجب ان نلتفت اليها، وأيضا صندوق الإقتراع مسألة إيجابية يجب ان نستفيد منها كل الإستفادة.

س- ألا تخشى أمنيا على الإنتخابات؟
ج- بحدود التحرشات العادية ليس الا.

س- القصد، بمعنى انه إذا شعرت جهة، بأنها مهدّدة بالنتائج في الصناديق وتذهب الى إتجاه، إما التعطيل أو استخدام الوسائل العنفية؟
ج- المعروض امامنا هو قيام كتلة توازن ، هذه الكتلة تلغي هذا الإحتمال إلا إذا كان هناك جهات تعتبر رئيس الجمهورية خصما أوعدوا لها.

س- الجنرال عون يقول ان الاسم الحركي لـ14 آذار هو الكتلة الوسطية؟
ج- الجنرال عون يخاطب اناسا ويحرّضهم على شيء غير موجود، بمعنى ان النائب المنتخب إذا قرر أن يذهب الى هذه الكتلة، لا يمكن لأحد أن يمنعه، أو يجبره على أن يذهب الى هذه الكتلة. لذلك فلننتظر النتائج ونرى من يذهب ومن يبقى.

أعود وأقول عندما تضع رئيس الجمهورية والبطريرك والسُنة بكل رموزهم والدروز وكأنهم خصومك ، فمعنى ذلك انك تقول أنا سأخسر لأن كل هؤلاء ضدي، وليس سأخسر لأن لدى الناس خيار آخر.

فمن غير الطبيعي تعيين هذا الحجم من الخصوم للجنرال، وكأن كل الناس لا عمل لديهم سوى البحث عن كيفية تقليل حظوظه بالنجاح، أو زيادة حظوظه بالسقوط.؟ هذا باعتقادي تكتيك إنتخابي يتبعه اي شخص، لديه شعور جدي بالخطر ، خاصة بعد الذي أعلنه دولة الرئيس المر الذي هو دائما عنوان شجاعة، والرئيس المر عداوته عداوة، وصحبته صحبة، وعندما يدخل في موضوع يذهب به الى النهاية.

فممكن إذا جمعت اعلان الرئيس المر، ووضوح رغبة رئيس الجمهورية، وكلام البطريرك صفير، تجد ان هناك تعبيرا بالمزاج المسيحي ربما سيظهر في صندوق الإقتراع لصالح كتلة متوازنة تقف بين الخصمين الكبيرين .

س- يعني عودة الى الحياد المسيحي الذي تحدثنا به منذ يومين؟
ج- الحياد المسيحي الذي أدعو اليه وأكتب عنه.

س- هل تذكر الحديث الذي دار بيننا منذ يومين عن ان المسيحيين يحبون الحياد؟
ج- هذا الحياد يكمن بين المشاريع الإقليمية وليس حيادا داخل لبنان.

س- تحدثت عن حياد بين المشاريع الأقليمية، وأشرت الى العام 2005 هل يمكن ان تشرح لي وجهة النظر؟
ج- المسيحيون يجب أن يكونوا العنصر الضابط للنزاع بين الطائفتين الكبيرتين، ولكن الجنرال عون يتصرّف على انه جزء كبير من المشروع.

س- لكن أنت قلت لي انه تصرّف في العام 2005 بالإتجاه الصحيح، وأوحى للمسيحيين بأنه الضابط بين الطائفتين؟
ج- أنا قلت انه جُر لاشتباك في الإنتخابات عام 2005 وإستمر بالإشتباك.

س- هو وقف ضد الإستقطاب الإقليمي في العام 2005؟
ج- أعتقد انه في الـ2005 خفّف الكثير من هذه اللهجة، حتى لو عدت الى هذه المرحلة فهي ليست شبيهة بالـقرار 1559 وقانون محاسبة سوريا ، اللغة السياسية إختلفت وعاد من باريس بلغة سياسية مختلفة، وليس بنفس اللغة التي ذهب على أساسها، ومارس إستنادا لهذه اللغة نوعا من الخصومة ،لا أملك تفسيرا لهذا الحجم من الخصوم الذي يُعينهم، رغم انه يعرف وأعتقد ان أي عاقل يعرف، ان الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، مسألة عفا عليها الزمن، ولا يمكن ان تحصل لأي سبب من الأسباب ، ولا يمكن أن تنجح لأنه لا توجد عناصر موضوعية للنزاع و الصراع. وبالتالي كل هذا الموضوع لا يوصل الى نتيجة هو جزء من تكتيك إنتخابي.

ولكنني أقول ان خيار المسيحيين في لبنان وفي غير لبنان، أن يكونوا العنصر الضابط للأزمات، وليس العنصر المشارك في الازمات، لأنهم لا يحتملون أن يكونوا جزءا من صدامات كبيرة في المنطقة.

س- إذا هذا يؤثر على الجنرال عون، لكن بالمقدار ذاته، يؤثر على مسيحيي 14 آذار؟
ج- خيارات المسيحيين في 14 آذار السياسية واضحة ومعلنة ، أنا لا أتحدث عن فترة الإنتخابات، لأنه في الإنتخابات يقول كل شخص كلاما يمارس فيه الحد الأقصى من الإغراء الممكن لجمهوره، سواء بالكلام القاسي أو الحاد أو غير المنطقي، وبالتالي لا ضرورة لمناقشتها على اعتبارها واقعةعلمية ومؤكدة وهي مرحلة وستمر.

لا أريد الدخول في تفصيل مسيحيي 14 آذار أو مسلمي 14 آذار، هناك عنوان سياسي كبير يجمع كل المعنيين بسيادة وإستقلال لبنان ودون صراع مع سوريا، يجب ان يكون هذا الأمر واضحا انه لا يمكن ان تكون ذا سيادة وإستقلال على قاعدة الصراع مع سوريا، هذا أمر غير منطقي، بصرف النظر عن مسألة التقرير الظني والإغتيال ، هذه مسألة منفصلة وهي مسألة غير مؤكدة بالمعنى القانوني أو القضائي. فلذلك إذا كنت تعمل على السيادة والإستقلال، بالتالي انت جزء من منطقة كلها أزمات ، إما أن تعرف حدودك وتتصّرف بعقل ومنطق لكي تستطيع جمع أكبر قدر ممكن من الناس، حول عنوان الإستقرار ، أو انك تذهب في أزمات المنطقة وتتقسم الى جهات ومشاريع إقليمية غير منطقية، وبالتالي تصل الى المكان الخطأ.
ما نشهده الآن شيء من التهدئة على كل الصعد من الكلام عن حوار أميركي- إيراني، الى الكلام عن مصالحة سعودية- سورية، والكلام عن وضع السلاح في خانة الحوار، والكلام عن ان الإنتخابات يجب ان تحدث، والكلام عن كتلة متوازنة في مكان ما. حتى ان الكلام السعودي بات أهدأ بكثير، بعد قمة الكويت، حيث أصبح هناك نوع من الهدوء، والعاهل السعودي قام بخطوة كبيرة من اجل تحقيق المزيد من الإستقرار والحوار حول كل المواضيع.

س- إذا أنت تعتبر ان المشهد الإنتخابي سيفضي الى ثلاث مجموعات أساسية في المجلس النيابي؟
ج- كلا سيفضي الى مجموعتين أساسيتين، لكن سيفضي الى كتلة توازن يفترض برأيي أن تكون عند رئيس الجمهورية، يفترض ان تكون في موقع مستقل عن الطرفين.

س- بالعودة الى صديقنا ميشال المر كيف تفسّر موقفه؟
ج- الواضح انه كان المبادر، هو أكثر واحد من السياسيين الذين بادروا منذ البداية في مسألة العماد ميشال سليمان وثم تبناها وذهب فيها الى الآخر، قبل الكثير من الناس، ثم بادر الآن الى إعلامنا انه يريد ان ينشئ بشكل أو بآخر ومع آخرين كتلة تتبع لرئيس الجمهورية أو تناقش رئيس الجمهورية، أو تحاور رئيس الجمهورية، وتتخذ بكل موضوع موقف الكتلة المتوازنة، ولكن هذا لايعني ان المعارضة ستأخذ اكثر بكثير من الوضع الحالي ولا يعني ان الأكثرية ستخسر كثيرا.

س- هل ترى تبدلا بالمشهد الإنتخابي مسيحيا جو تبدل جدي؟
ج- أراه جديا ومحدودا ليس شاملا، لأنه يجب ان ننتبه الى ان هناك مناطق سيحصل فيها تغيير بغير إتجاه، مثل زغرتا مثلا ليس بالضرورة بالكامل ، ولكن هناك أماكن واضح ان التعبير فيها أيضا ليس بالإتجاه الذي نتكلم عنه.
دعنا نقول ان الأكثرية ستخسر بعض المقاعد، ولكن ليس كما يُقال وكأنه سيحصل إنهيار، ولا المعارضة ستحقق عشرات المقاعد بالزائد. فالعدد معروف والمناطق معروفة والولاءات معروفة، ومناطق الإشتباك معروفة، وهي محدودة وليست منتشرة. منطقة الإشتباك الحديثة هي منطقة الإشتباك المسيحي التي كان رائدها ومعلنها دولة الرئيس المر المتخصص بالمواقف الشجاعة.

س- هل هناك دفتر شروط أو جدول أعمال مقفل لدور رئيس الجمهورية بحيث يكون في المنتصف ما بين هذا وذاك؟
ج- هناك رغبة أكثر مما هي جدول أعمال، هناك رغبة عند كثير من اللبنانيين وعند كثير من العرب، وعند كثير من الدوليين ، لكن كيف تتحقق هذه الرغبة وبأي نسبة تقرر الإنتخابات هذه المسالة.

س- ما هي حدود دور رئيس الجمهورية حسب قراءاتك، هل دوره ان يجلس ويحسب كما هو دور مراقبي القوات الدولية على الحدود بين لبنان وإسرائيل؟
ج- لماذا أقول كتلة توازن وليس كتلة وسطية، هي المفترض ان تحدث توازنا بالأداء السياسي في البلد هناك رغبة من كثير من الجهات، ومن الكثير من اللبنانيين، بأن يكون هناك كتلة تنوازن بين خصمين كبيرين أيا كان حجم المعارضة، وأيا كان حجم الأكثرية.

س- في ختام حديثنا نعود الى بدايات هذه الحلقة في ما يتعلق بالرئيس رفيق الحريري أنت عشت معه وواكبته، ما هو ابرز ما تفتقده اليوم بعد أربع سنوات، وماذا تقول لهذا الرجل ولجماهيره؟
ج- أنا أقول لهم ان الخير في تاريخهم لا يمكن ان يُظلم، ولا يمكن إلا ان تصل المحكمة لكي تعيد له حقه وتعيد لنا حقنا بالحياة ، وأعتقد انه إشتاق لصوت الناس، وكل واحد سينزل سيشعر به انه موجود في الساحة، وانهم مازالوا على قناعاتهم وعلى مبدأهم الذي هو حقهم في الحياة.

أعود وأقول، مارسوا حقكم في الحياة والإعتراض على الإغتيال . أنا اقول هذا الكلام وأدّعي اني أقوله، باسم الرئيس الحريري، بما أعرفه عنه طوال 12 سنة من حياتي اليومية معه.

أعتقد انه لايوجد احد يحتاج الى اكثر من هذا لكي يتحمس وينزل الى ساحة الحرية ، لأن بنزوله يكون كمن يدافع عن نفسه، وعن أولاده وعن حقهم بألا يقتلوا، بسيارة مفخخة أثناء ذهابهم الى المدرسة، ولا أن يغتال الشخص الذي يهتمون له بسبب أي خصومة سياسية، أو لأي سبب من الأسباب. وأنا متأكد ان الأخ الذي إتصل وهو محمد علي عيتاني وقال انه متحمس للنزول ، أن يحمّس من حوله وأن يحمّس كل واحد يريد لمدينة بيروت تحديدا ان تستمر في التقدّم وان تستعيد القدرة والمعنويات العالية، التي لا تكون الا بتأكيد خياراتنا الوطنية المعارضة للإغتيال وبحقنا في الحياة المدنية الطبيعية والإعتراض السلمي,

س- ولرفيق الحريري ماذا تقول؟
ج- جمهوره سيلبيه .. سيلبيه.. أنا واثق وبالي مش مشغول.