“الأسبوع في ساعة” مع جورج صليبي – لبنان وسوريا: جغرافيا تصنع تاريخاً مِلئُه الحذر

مقابلات تلفزيونية 11 يونيو 2006 0

ضيوف الحلقة: نهاد المشنوق ،عضو المكتب السياسي في “حزب الله”غالب ابوزينب، والنائب السوري محمد حبش

س- نهاد المشنوق الذي نقرأه صباح كل إثنين على صفحات السفير، أين هو سياسيا اليوم، وبالتالي هل كان سهلا الخروج من إطار سكنت فيه لأعوام طويلة؟
ج- أولا، أنا كاتب سياسي منذ سنة، وأستطيع أن اقول سنة أولى إستقلال، وأنا أمارس الكتابة بعد غياب 20 سنة عن هذه الممارسة، وبمتعة لا تجاريها أي متعة في أي عمل آخر، وأعتبر نفسي أني موجود في مكاني المناسب والصحيح الذي يحقق لي الكثير من الأمور التي أفكر بها، وأسعى لنشرها بين الناس من أفكار أو مواقف ، أنا مارست لأكثر من عشر سنوات وربما 20 سنة الوجود في الإدارة السياسية للبلد بشكل أو بآخر، وأستطيع المقارنة الآن، وأعتقد أني أفضّل وضعي الحالي أكثر من أي وقت مضى، ولا أشعر أني إنفصلت عما كنت فيه.

س- عندما تقول سنة أولى إستقلال، وأنك مرتاح على هذا الوضع، هل يعني أنك نادم على أشياء في السابق أو على سنوات مرت ولم تكن فيها مستقلا؟
ج- لا أستطيع أن أستعمل تعبير الندم، ولكن فعلا أشعر بمتعة مختلفة عن طبيعة عملي السابق في المجال السياسي.

س- لماذا لم تختر هذه المتعة من الأساس؟
ج- أنا إخترتها من الأساس، ومارست الكتابة حوالي 12 أو 14 سنة، ثم إرتبطت أولا باللقاء الإسلامي لفترة مع الرئيس تقي الدين الصلح والشيخ حسن خالد مفتينا وكبيرنا رحمهما الله، ثم مع الشهيد دولة الرئيس الحريري رحمه الله، فإذا جمعنا هذه الفترة قد تبلغ 20 سنة من الإبتعاد عن الكتابة، لذلك أقول أني أشعر بفرق كبير وبمتعة لم أشعر بها من قبل.

أما من حيث أني مستقل عما كنت عليه، فأنا مصر على ان الحدود السياسي بيني وبين الناس هي ضريح الرئيس الحريري وهي سياسته وأفكاره، ونظرته للأمور ، والتي أعتقد أني واحد من القلائل الذين يعرفونها بشكل وثيق.

س- أنت تقول تحتفل بسنة أولى إستقلال، لكن الناس التي تتواصل معك وتسمعك هل تعتقد فعلا أنها ترى فيك مستقلا؟
ج- لقد إرتبطت صورتي لفترة طويلة، وهذا شرف لي، بالشهيد رفيق الحريري، وحتى الصورة الشخصية إرتبطت.
سأروي قصة صغيرة وبسرعة، فقد كنت في توقيع كتاب لصديق، وكان الرسام الأشهر بيار صادق موجودا، فأعطيته الكتاب وطلبت منه أن يرسمني بسرعة، فأخذ الكتاب وعاد بعد دقيقتين وأعطاني الكتاب، ففتحته لأجد إنه رسم وجه الرئيس الحريري بعد إغتياله، فهو يعتبر أن هناك تطابقا في الصورة، وأنا فخور بهذا الشيء، لذلك أقول انه بيني وبين الآخرين ضريح الرئيس الحريري.

س- ما تأثير ذلك على موقعك اليوم؟
ج- أبدا لا يؤثر في شيء، أنا مازلت في موقع الدفاع عما أعتقد إنه سياسة رفيق الحريري، وعما أراه من سياسة رفيق الحريري، وليس ما يراه آخرون من سياسة رفيق الحريري، ليس بالضرورة أن يكون كاملا، وما أراه أنا ربما من وجهة نظرهم غير كامل، ولكن ما أراه أنا هو ما يريحني ويريح ضميري، وبالتالي أنا أتصرّف على هذا الأساس بحرية وبعيدا عن كل الإتجاهات السياسية أو الجهات السياسية السائدة الآن في الساحة اللبنانية.

س- إذا، لماذا أنت اليوم بعيد عن آل الحريري، وبعيد عن النائب سعد الحريري، هل هم أبعدوك، أم تخلوا عنك، ولماذا أنت بعيد وما مشكلتك معهم؟
ج- أبدا، أبدا، لا يوجد إبعاد ولا إستبعاد، إنما هناك قرار أنا إتخذته وهو أن وجودي الى جانب النائب سعد الحريري قد يسبّب له إرباكا ، يسبّب لي إرباكا، لأن المواقف السياسية التي أعبّر عنها كتابة قد لا يوافق عليها هو ، ومواقفه السياسية التي يعبّر عنها هو قد لا أوافق عليها انا، وبالتالي سندخل في إجتهادات أمام الناس غير طبيعية.

س- إذا، هناك خلاف في وجهات النظر السياسية بينك وبين سعد الحريري؟
ج- أبدا، أبدا، أنا كتبت عدة مرات تأييدا لمواقف ولسياسة إتّبعها سعد الحريري، وكتبت مرة أو مرتين منتقدا سياسة سعد الحريري، وبالتالي هذا ما أسميه بالإستقلال، لا يوجد موقف مسبق بأني معارض لسعد الحريري، أو موافق على كل سياساته. أولا ، أنا لست معارضا له على الإطلاق، ولن أكون معارض له على الإطلاق. ولكن أنا أعتبر ان الإعتراض على موقف سياسي هو حق في النقاش، وليس معارضة بالمعنى الشامل للموضوع، لأني أُصر على محبتي وودي وصداقتي ومعزتي له ، وأعتبره رفيقا عشنا سويا لفترة طويلة، وكان بيننا شبه حياة خاصة في أوقات متفرقة وطويلة. ولكن باستقلالي هذا أستطيع أن أعترض على موقف واستطيع أن أؤيد مواقفه.

س- لكن ما يُقال هو غير ذلك تماما، يُقال ان علاقتك مخربطة مع آل الحريري، وان لهذا بعض التراكمات التي تعود الى حين ما طلب السوريون الى الرئيس الحريري أن يتخلّى عنك، وتركت وسافرت الى باريس، ويومها إعتبر البعض انه لم يدافع عنك بما فيه الكفاية، ثم عدت الى بيروت وعادت العلاقة الجيدة معه. ولكن في هذا الوقت قيل إنك نسجت علاقات مع أشخاص كان الرئيس الحريري يعتبرهم خصومه؟
ج- أنا لم أنسج أي علاقات على قاعدة الخصومة مع الرئيس الحريري، بل كل العلاقات التي نسجتها في تلك الفترة كانت بمعرفته وبرضاه وبموافقته.

س- هل تعتبر ان تقرّبك من الرئيس لحود يوضع في هذه الخانة؟
ج- نعم، أنا كنت أتصل بالرئيس لحود بمعرفة الرئيس الحريري وبرضاه وبموافقته، ولم تكن وكأنها طعنة في ظهره أبدا.

س- وماذا عن بعض الجهات السورية؟
ج- أنا لا أعرف جهات سورية متعددة ، أنا أعرف شخصا واحدا كان قد اصبح مسؤولا عن الأمن في لبنان هو العميد رستم غزالة، وأنا كنت أعرفه معرفة عادية، ولكن بعد عودتي من باريس حصلت إتصالات بيني وبينه ، وأنا في الفترة التي عدت فيها كنت معه على علاقة عادية، إذ أني كنت ألتقيه كل شهر أو شهرين لتشاور الآراء وليس أكثر ولا أقل، وأنا لم أكن في موقع أستطيع أن أقدّم له أي شيء.

س- الى أي مدى صحيح الإعتقاد السائد بأن النائب سعد الحريري وآل الحريري نظرا إليك بعد إستشهاد الرئيس الحريري بأنك أصبحت في مكان آخر ، ولهذا السبب لم يتركوك معهم؟
ج- لقد رجعت الى قصة تركوك، بالأصل أنا لم أكن معهم وكنت قد تركت العمل ست سنوات.

س- لكن كنت على علاقة جيدة مع الرئيس الحريري؟
ج- بقيت على علاقة جيدة معه، ولكن ليس في نفس الجو لأني إتبعت خطا ثانيا، وبالتأكيد لو كان الرئيس الحريري حيا وعدت للكتابة التي أمارسها الآن، لكنت بعيدا عنه مثلما أنا بعيد عن غيره في نفس الوقت.

س- قلت في أحد مقالاتك أن سعد الحريري وقع في فخ الأكثرية وحصار وحدانية التمثيل السُني، أين هو من الفخ أو من الحصار؟
ج- أعتقد انه لا يزال في مكانه، ألا تعتقد انه ما يزال محاصرا الآن، هناك أزمة سياسية كبرى في البلد، وهو جزء منها وليس خارج الأزمة ، وهذه الأزمة بدأت في لحظة ظهور نتائج الإنتخابات.

س- من أوقعه في الفخ ومن أوقعه في هذا الحصار؟
ج- لم يوقعه أحد، إنما هو دخل هذه الإنتخابات خارجا من جنازة والده رحمه الله، الى الإنتخابات، فالناس أعطته بمحبة وبود وبصدق وبإعتراف بأفضال والده وإنجازاته في لبنان، واصبح بين يديه إرث كبير بقدر ما هو بين يديه نفوذ وقوة، بقدر ما هو عبء عليه ، لأن الوضع اللبناني وضع متأزم، ودائم التأزم الى درجة انك لا تكاد تشعر بأن بين يديك سلطة . تمارسها على أي موضوع من المواضيع.

س- برأيك هل عرف تماما إدارة الإرث، أم لم يعرف كيف يدير هذا الإرث الذي حصل عليه؟
ج- أنا أعتقد ان ما يفعله حتى الآن، معقول وواقعي ، ويجب ان نأخذ بعين الإعتبار ان سعد الحريري كان يعمل في مجال آخر تماما، وفي بلد آخر بالسعودية، وكان ناجحا جدا في إدارة أعمال عائلته في السعودية، وبعدها فُرض عليه الإنتقال الى العمل السياسي ، وبقي ستة أشهر من 14 شهر خارج لبنان لأسباب أمنية.

س- تقول ان ما يقوم به معقول، ولكن أنت ايضا كتبت “ليس كل من إختلف مع سياسة والده هو عدو، ولا كل من وافق لسعد صديقا له”، هذه قاعدة أساسية للمقبل حديثا على السياسة، اين هو من هذه القاعدة اليوم؟
ج- صحيح، ومازلت عند هذا القول، وأعتقد انه اليوم منفتح على الجميع، وهو لم يبنِ علاقاته السياسية على قاعدة خلافات والده.

س- لكنه بنى حملاته الإنتخابية ومعركته الإنتخابية على دم الرئيس الحريري؟
ج- يجب أن نفرّق بين الحملة الإنتخابية والإنتخابات، وبين العمل السياسي بعد الإنتخابات، فإذا اردت دمجهما تصل الى الإستنتاج الذي تتفضل به. أما أنا فأفصل بين الإثنين وأعتبر ان الحملة الإنتخابية، هي مجال لاستعمال كل الأسلحة للوصول الى أفضل النتائج، قد تكون بعض هذه الأسلحة غير مناسبة للصيغة اللبنانية، أو معادية بحدّة لآخرين، وقاسية على الآخرين.

س- ان ما حدث خلال الإنتخابات إنسحب على الفترة التالية حتى اليوم، وإستمرت العداوات والقسوة؟
ج- هذه العداوات وهذه القسوة وهذا الجنون السياسي كان موجودا قبل الإنتخابات. منذ سنة 1998 بدأت مع الرئيس الحريري عندما أُخرج من الحكم لمدة سنتين.

س- لكن، أنت كتبت له ليس كل من إختلف مع سياسة والده هو عدو، ولكنه يتصرف على ان هؤلاء أعداء؟
ج- بالعكس، كنت أقترح عليه مزيدا من الإنفتاح على كل الناس الذين يعتقد إنهم قد يتحالفون معه.

س- لكنه لم يسجّل هذا الإنفتاح وهناك أطراف كثيرة مختلفة معه؟
ج- باعتقادي انه من طريقة تصرّفه حتى الآن لا يزال منفتحا على الجميع ، على العماد عون وعلى السيد حسن نصر الله وغيرهما.

س- رغم التراشق مع التيار الوطني الحر؟
ج- نعم ، هو لم يغلق الباب مع التيار الوطني الحر، ولم يغلق الباب بينه وبين “حزب الله” وبالعكس ، الحوار لم يتوقف ولم يتخذا قرارا بإغلاق الباب مع حركة “امل” بالعكس، هناك صداقة بينه وبين الرئيس بري، هذا ما قصدته بالكلام، وليس أكثر من ذلك.

س- في تاريخ 27 تموز 2005 كتبت مقالا قلت فيه “وداعا 14 آذار” لماذا توقعت رحيل 14 آذار؟
ج- أنا لم أتوقع رحيله، بل قدرته على الإمساك بالسلطة، إن قدرتهم على الإمساك بالسلطة مستحيلة في الظروف التي عشناها من تموز الماضي الى تموز المقبل، وهذا كان واضحا.

س- هل هذا خطأ 14 آذار؟
ج- لا أبدا، هذا واقع البلد، وليس خطأ 14 آذار، هذا البلد لم يعرف في تاريخه ولا يتحمل هذه الصياغة السياسية له، التي تمثلت بالفراغ الذي أحدث خروج الجيش السوري من لبنان، وإغتيال الى الرئيس الحريري.

س- برأيك لم يستطع فريق 14 آذار ملء هذا الفراغ؟.
ج- انا لا أعتقد انه كان بإمكانه أن يملأ هذا الفراغ ولم يفعل ، أنا أعتقد انه من الأساس لا يمكن أن يملأ هذا الفراغ.

س- كتبت ايضا لبنان لا يحكم بالأكثرية هذا زمن مضى وإنتهى لبنان لا يحكم بالعدد ، ألغيت الحسابات من الدستور ومن القرار السياسي، هل مازلت عند هذا الرأي؟
ج- صح، وانا مقتنع بما كتبته، لبنان معادلة كيميائية صنعت في مختبر ما في وقت ما صنعها رجال ما، كبار ومفكرون إخترعوا هذه الصيغة سواء بحسناتها أو بسيئاتها، وبالتالي أي معادلة كيميائية تشعر ان فيها إضافة لمادة ما أو إنقاص من مادة ما ، يحدث فيها خلل أساسي. وما حدث بالفراغين اللذين تسبّب بهما إغتيال الرئيس الحريري وخروج الجيش السوري، أحدث إختلالا في هذه المعادلة، وجاءت الإنتخابات وأخذت ما يمكن أخذه من معادلة في الأساس مختلة ، والجميع أخذ وليس الأكثرية فقط؟

س- ألا ترى ان الأكثرية تصرّفت على أساس انها إستلمت الحكم وعليها أن تحكم؟
ج- تصرّفت كلا، لكن ربما هناك ناس إعتقدوا أو توهموا ، وبعد وقت تبّين لهم ان هذا الأمر غير صحيح.

س- من هو زعيم الأكثرية الفعلي ، هل هو سعد الحريري فعلا، أم وليد جنبلاط؟
ج- من غير الممكن أن يكون غير سعد الحريري لأسباب كثيرة ، رغم أني أعتبر ان وليد جنبلاط زعيم سُني بالإعارة.
سياسيا، أنا متأثر جدا بالمرحوم تقي الدين الصلح وكنت أسمع منه دائما ان الدروز هم إحتياطي السُنة، وهو رئيس الوزراء الأول الذي زار المختارة. والرئيس الثاني الذي زار المختارة هو الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبالمصادفة أنا كنت مع الإثنين في هاتين الزيارتين.

أنا أقدّر زعامة وليد جنبلاط لأنها الزعامة ربما الأخيرة العميقة الجذور والقادرة والطبيعية في لبنان، ولكن لا أعتقد انه زعيم الأكثرية، وأعتقد ان وليد بك حريص تماما على تواصله الدائم وسماع رأي الشيخ سعد الحريري والتفاهم معه، وأعتقد أن الشيخ سعد في خطابه في 14 شباط الماضي قال كلاما عن وليد جنبلاط يوضح تماما علاقته به، عندما يقول البطل وليد جنبلاط، فلا أعتقد انه مختلف معه على زعامة الأكثرية.

س- لماذا يبدو وليد جنبلاط رأس الحربة في التصعيد في اللهجة؟
ج- لأن طبيعته أن يكون رأس الحربة، ولا يستطيع أن يكون إلا رأس الحربة، وانا كتبت عنه انه لن ينزل عن الحصان الذي ركبه بعد إغتيال والده، حتى اليوم منذ 28 سنة يركب هذا الحصان، يقاتل ويصنع سياسة. وباعتقادي اليوم ان قراءته السياسية لعملية إغتيال الرئيس الحريري التي إعتبرها إغتيالا للبلد هي التي أوصلته الى هذه المواقف. وباعتقادي أيضا ان وليد بك قام بهجوم إستباقي في مواقفه، والسبب ان قراءته لتقرير المحقق الدولي براميرتس هو يعرف نتائجها ويعرف ان هذا التقرير سيجعل السوريين أو القيادة السورية منتشية من إحتمالات عدم إدانة ،حتى لا أقول براءة واضحة في تقرير براميرتس الثاني. وهو إعتبر ان هذا الأمر يشجع السوريين وحلفاء سوريا في البلد، فقرر القيام بهجوم وقائي مبكر على القوى التي يعتبر نفسه في حالة صراع معها.

س- كيف قرأت تقرير براميرتس وما هو تعليقك عليه؟
ج- أنا لم أقرأه كاملا، لأن ما توفّر منه في صحف اليوم هو ملخّص لهذا التقرير ولبعض الفقرات الواردة فيه، حتى الذي ورد في الإذاعات ومحطات التلفزيون هو جزء محدود من التقرير. وأنا أرى ان تقريرا من هذا النوع يلزمه قراءة دقيقة وكاملة، لأن النقاط مرتبطة ببعضها ، فعندما تحذف نقطة أو تفصلها عن الأخرى تقرأ الأمور بشكل مختلف.

لكن ما قرأته انا حتى الآن وما توفّر لي اليوم، لا أعتقد ان ما جاء في التقرير لبراميرتس هو حقيقة معلوماته وحقيقة تقديراته، ولكن أعتقد ان القاضي براميرتس أراد أن يكرر تجربة سلفه الألماني ميليس الذي كان أسرع في الإستنتاج وفي الإتهام ، مما أدى الى إغلاق أبواب دمشق أمامه، والسوريون وجهوا له إتهامات حادة، وأغلقوا عليه باب التعاون . لذلك قرر براميرتس تغيير هذا الأسلوب وأن يُبقي على باب التعاون مفتوحا عبر إستعمال تعابير لطيفة عن علاقته بالسوريين ، وعن نتائج تحقيقاته مع الشهود الستة دون أن يكون مضمونها دقيقا، هذا ما أراه في هذا التقرير، ودعني أقول هذه قراءة سريعة وشخصية.

س- ما تعليقك على وصفه للتعاون السوري بالمرضي؟
ج- هذا توصيف دقيق، لأنه بالدبلوماسية كلمة تعاون مرضي ،هو أقل من تعاون مريح أو تعاون جيد، وكلمة مرضي هو الحد الأدنى من الإيجابية ، وأعتقد ان براميرتس أحسن التعبير في هذا المجال، وأبقى الباب مفتوحا بينه وبين السوريين، وأبقى القدرة على الإتصال والتواصل موجودة وهذا يساعد بالتحقيق.

س- هل تعتبر ان وصف التعاون بالمرضي فيه مسايرة نوعا ما لدمشق؟
ج- لا أبدا، هو حدّد بدقة الكلمة التي يريد قولها، ولا ننسى ان القضاة مثل الدبلوماسيين يكون النص عندهم شبه مقدّس، وبالتالي الكلمة تعني مضمونها تماما، ولا يمكن أن نجتهد بتفسيرها أو نزيد بمضمونها أو أن نقلل من محتواها.

س- يبدو ان تقرير براميرتس الأخير كان عموميا، تكلم بالعموميات، فهل فعلا هذا التحقيق يفتقد الى العناصر الجديدة والمعلومات الجديدة، أم انها موجودة ومخبأة بانتظار توقيت ما؟
ج- أنا أعتقد ان لدى القاضي براميرتس حقائق جديدة كثيرة لم يتضمنها التقرير.

س- لماذا لا يعلنها؟
ج- هذا عائد للقاضي براميرتس وبتقديري انه يحتاج الى إثباتات أكثر ، فهناك فرق بين أن يكون عندك واقعة وأن يكون عندك إثبات، فإذا كنت تملك الإثبات تستطيع أن تنتقل الى الإدانه فورا، ولكن إذا كنت تملك واقعة فقط، فتنتقل من الواقعة الى الإثبات، ولكن أعتقد ان لدى القاضي براميرتس الكثير من المعلومات.

س- إذا، لماذا يخفيها عنا؟
ج- أنا سألت عنه قضاة لبنانيين يعرفونه ووصفوه بالتالي: هو تقني وأكاديمي، بمعني انه لا يُسرف في الوصف، ولا يُسرف في إستعمال الكلمات، ولا يُسرف في إستعمال الوقائع، بالعكس يدقق بشكل كامل وحريص على كل كلمة يقولها أو يكتبها، وله أيضا طريقته في العمل مختلفة تماما عما تعودنا عليه، وأعتقد انه بدأ ينقل العدوى الى بعض القضاة اللبنانيين الذين أخذوا يلتزمون بالصمت تماما.

س- من هم هؤلاء القضاة؟
ج- هناك قاضٍ أحترمه واقدره جدا، هو مدعي عام التمييز الأستاذ سعيد ميرزا، الذي يعتمد ان الصمت بلاغة كاملة، والآن اصبح الصمت المطبّق هو البلاغة عنده.

س- لكن تقرير براميرتس أعطى للقاضي ميرزا دورا مهما؟
ج- ما من شك، أن أي دور يأخذه القاضي ميرزا هو دور يستحقه، وهو من كبار قضاتنا الجديرين بالثقة الذي يتمتعون بكفاءة عالية وبالكثير من التواضع.

س- ماذا يقول لك تمديد التحقيق لمدة سنة؟
ج- هذا أمر طبيعي ومنتظر، وأعتقد ان تقييم براميرتس للتحقيق أدى الى التمديد، وأيضا تقييمه لمسألة إنشاء المحكمة الدولية لعب دورا في التمديد.

س- يبدو ان هناك تشكيكا في أن يكون هناك محكمة دولية من خلال التقرير، ربما محكمة ذات طابع دولي؟
ج- بالأصل التعبير هو محكمة ذات طابع دولي، والقرار في مجلس الوزراء الذي طُلب من مجلس الأمن محكمة ذات طابع دولي.

س- ألا ترى في التمديد سنة تمييعا للوقت؟
ج- لا أبدا، وأعتقد اننا لم نتعوّد على الوسائل الجدية والحديثة في العمل القضائي الأوروبي.
جريمة بهذا الحجم باغتيال شخصية مثل شخصية الرئيس الحريري رحمه الله، لا بد من أن تكون الجهات المنفّذة عندها خبرة عالية وتقنية عالية وسرية عالية، وهذا يفترض بالتحقيق ان يأخذ وقتا طويلا للوصول الى نتيجة.

س- ماذا يقول لك ما جاء في التقرير عن إعادة إستجواب جميع أفراد فريق أمن الرئيس رفيق الحريري ومنهم الذين نجوا من الإنفجار، والذين إنتموا الى فريقه المقرّب ، وأيضا يسأل التقرير ما إذا كان مسار الرئيس الحريري قد عُرف من اجل وضع خطة للجريمة وما الى ذلك؟
ج- براميرتس يتصرّف على أنه يعيد التحقيق الى نقطة الصفر. وبدأ يطلع من هذه النقطة صعودا درجة درجة.

س- هل هذا يعني انه حذف كل ما توصل إليه ميليس؟
ج- هو قرأه ولم يأخذ به وعاد الى البداية.

س- لكن ماذا عن النتائج التي ترتبت على تقرير ميليس؟
ج- ترتبت عن ميليس وتقريره نتائج سياسية.

س- وقضائية أيضا، وهناك أشخاص موجودين في السجن؟
ج- براميرتس وافق على التوصية التي أعطاها ميليس بتوقيف الضباط الأربعة، لأنه عمليا واضح في التقرير أن هناك إستمرارية لهذا التقدير في توقيفهم.

س- الا تجد في إعادة إستجواب أفراد فريق أمن الرئيس الحريري تشكيك بهؤلاء؟
ج- هذا أمر طبيعي، وأقول أكثر، هو إستجوب كل الناس الذين لهم علاقة بالرئيس وبحياته اليومية، وهذا أمر طبيعي ولا أعتقد ان هناك تشكيكا، وبالتالي الشباب الذين نجوا من الإنفجار من أخلص الناس، ولا أعتقد إنهم موضع شك.

س- طرح براميرتس حوافز مختلفة على خلفية قتل الرئيس الحريري وإحتمال أن يكون ثمة أكثر من سبب للرغبة في قتله، منها الحوافز السياسية وإحتمال الثأر الشخصي والعوامل الإقتصادية والعقائد المتطرفة؟
ج- شخصيا، أنا آخذ من كلام براميرتس الحافز السياسي والعقائد المتطرفة ، وأترك الباقي جانبا. لأنه لا يوجد أي سبب للثأر الشخصي من الرئيس الحريري، ولا يوجد رجل خير بحجم الرئيس الحريري يتعرض بعد 25 سنة من عمل الخير والتعليم والإهتمام بالناس لثأر شخصي.

س- ربط براميرتس في تقريره بين ثلاث حالات إغتيال تحديدا عمليات إغتيال الرئيس الحريري والصحافي سمير قصير والنائب جبران تويني، والبعض فسّر الأمر بالمعنى السياسي ان الرابط هو علاقتهم بفرنسا، والبعض طرح التساؤل حول أميركا ودورها المناهض للدور الفرنسي والصراع الأميركي- الفرنسي؟
ج- أنا لا أسمح لنفسي أن أجتهد لهذه الدرجة ، وهذا أكبر من قدرتي على الإجتهاد والإستنتاج.

س- ما قاله الدكتور حبش انه لا يمكن أن يكون هناك علاقات دبلوماسية في ظل التشنج والتوتر بين لبنان وسوريا، وقد ألقى باللوم على جزء من اللبنانين في ذلك، كذلك ينفي حبش إصدار أمر عمليات سوري لحلفاء سوريا في لبنان، ما تعليقك على ذلك؟
ج- أولا، الحمد لله ان الدكتور حبش مرتاح لتقرير براميرتس ومن دعاة الهدوء والتروي بالعلاقات بين البلدين، لكن هذا لا يلغي وقائع معروفة، وهي ان سوريا لها نظام سياسي محدّد وله مطالب محدّدة ، وله أفكار محدّدة، وله أهداف محدّدة، وليس جمعية خيرية تطالب بالأخوة والمحبة والعاطفة بين البلدين، وما من شك ان هناك تاريخ بين البلدين يشفع بكثير من الود. ولكن الأزمة التي مررنا بها والفراغات السياسية الحادة التي حدثت في لبنان وفي سوريا، جعلت الكل يخطيء بما لا يترك مجالا لأحد أن يتفضل على آخر، ولا يمكن ترك الأمور باتجاه القول ان هناك بعض اللبنانيين قالوا كلاما قاسيا ضد سوريا ، وهذا يوتر ويشنج بعض الإخوان في سوريا ، بينما في سوريا بعض الإخوان قالوا كلاما أقسى وأقسى ، وهذا يشنج الكثير من اللبنانيين، وباعتقادي إن هذا منطق يُلام الجميع عليه، ولكن الحمد لله لم يحدث في سوريا ان الرئيس الحريري العزيز على جزء كبير من الشعب اللبناني قد إغتيل ، إنما الإغتيال حدث في لبنان، وكل الإغتيالات حدثت في لبنان، وشيء طبيعي أن تكون ردود فعل الناس حادة ومتشنجة، ولا يمكن أن ننتظر منهم أن يكونوا هادئين ومتعقلين ومتوازنين، في وقت لجنة التحقيق الدولية أعطتهم أول تقرير وثاني تقرير يؤكد أو يحدّد أو يتهم سوريا بالمسؤولية عن جريمة الإغتيال ، بصرف النظر ان كان هذا الكلام في التقريرين صحيح أو غير صحيح، ولكن هذا حدث، وبالتالي عواطف الناس نشأت نتيجة وقائع وُضعت بين أيديهم ولم تنتج نتيجة رغبة مجانية بالعداء مع سوريا.

أما بالنسبة لما قيل عن حلفاء سوريا في لبنان، أنا لا أوافق ان اللعبة الداخلية اللبنانية هي عمل سوري، كما لا أوافق على براءة سوريا من إهتمامها بالوضع اللبناني. ولكي أكون واضحا أقول سوريا نظام سياسي لا يستطيع أن يعيش وهناك نظام سياسي معادٍ له على حدوده، بصرف النظر عن نوع هذه المعاداة، وبصرف النظر عن أحقية هذه المعاداة ، وبصرف النظر عن دولية هذه المعاداة.

س- كيف تنظر الى زيارة الرئيس بري الى القاهرة بهدف وساطة عربية لتنفيذ قرارات الحوار كما قال؟
ج- ما من شك ان حركة الرئيس بري جدية من البداية، منذ أن أقّر مبدأ الحوار ووضع الطاولة ووضع الشراشف عليها وعدد الكراسي قبل دعوة أحد، وهذه كانت أول خطوة قام بها. والخطوة الثانية كانت زيارته الى دمشق، وكانت إيجابية بالإنفراج العام، بصرف النظر عن نتائجها الفعلية والمباشرة. وزيارته الآن للقاهرة أوضَح عن سببها، وأعلن عما سيقوله في مسألة الوساطة العربية.

س- برأيك وساطة عربية وتقرير براميرتس والإرتياح السوري لهذا التقرير، هل يؤدي الى إنفراج في العلاقات؟
ج- برأيي انه يؤدي الى إنفراج محدود وليس الى إنفراج كبير.

س- ما هو الذي يؤدي الى إنفراج كبير؟
ج- ما يؤدي الى إنفراج كبير هو مطالب سياسية لا يستطيع لبنان تنفيذها الآن، فهم مثلا يريدون إقامة ما يمكن تسميته بنظام سياسي جديد، نسبة المعاداة فيه لسوريا أقل بكثير من النسبة الموجودة حاليا. وهذا أمر شبه مستحيل حاليا، ولكن تعرف ان هذا النوع من الأنظمة وخاصة انهم أمضوا فترة طويلة في لبنان، لا يعتقد باستحالة تنفيذ مثل هذا المطلب ، فهذا هو المطلب الرئيسي والأساسي بالعلاقات اللبنانية- السورية.

أما ما يتم تداوله اليوم من وساطة وتقرير براميرتس هو إنفراج محدود ، والرئيس بري على حسن تقديره لكل الأمور التي مارسها منذ أشهر حتى اليوم، أنه ظهر بأنه السياسي اللبناني المحايد القادر على إدارة الحوار وزيارة دمشق والتفاوض مع الرئيس السوري ، وزيارة القاهرة والحديث عن مبادرة عربية، ولا يوجد شخص آخر اليوم في لبنان قادر على القيام بهذا الدور.

س- لماذا غياب الرد الموحد من فريق 14 آذار على طاولة الحوار في جلستها الأخيرة على الإستراتيجية الدفاعية؟
ج- أعتقد ان هناك توزيع أدوار في هذا الموضوع، ولا أعتقد ان لدى أطراف 14 آذار صعوبة في وضع ورقة موحّدة ويتفقوا عليها، ولا أعتقد ان هذا الأمر متعذر.

س- ما الهدف من توزيع الأدوار؟
ج- ربما لتحقيق مزيد من النقاشات حول موضوع الإستراتيجية الدفاعية، وهذا إفتراض وليست معلومات أملكها، فأنا أفترض ذلك، وأقول ربما من باب الحنكة السياسية ان كل من سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع تولى إجابة على الإستراتيجية الدفاعية بشكل مختلف عن الآخر.

فالمشروع الذي تحدث عنه الدكتور جعجع بنشر قوات دولية على الحدود هو مشروع يحتاج الى موافقة إسرائيل، وهذا يعني انه يجب إبرام إتفاق عبر الأمم المتحدة مع إسرائيل لنشر هذه القوات قبل العودة لمسألة قدرة هذه القوات على منع الإعتداءات أو عدم منعها. ولا أعتقد ان أحدا في لبنان اليوم هو باتجاه إبرام إتفاق مع إسرائيل، تحت أي بند من البنود ، وبالتالي البحث في هذا الموضوع بحث غير عملي وغير واقعي وغير منطقي.

اما ما قاله الشيخ سعد في هذا الموضوع أعتقد انه تعبير عن حسن نية، وهو لم يحمل مشروعا متكاملا، ولكنه يعتقد انه لا بد مع الوقت من التوصل الى مشروع متكامل، وهو أظهر حسن نيته إستنادا الى موقف والده الشهيد رفيق الحريري.

أما بالنسبة لمشروع وليد بك، فأنا لم أطّلع على نصه لأناقشه ، ولكن إذا قلنا الطائف، طبعا الطائف هو أساس قيام الدولة والدستور في لبنان، وأنا لا أستطيع أن أعلّق على نص غير متوفر لدي.