“اسمع يا رضا”..

مقالات 27 مارس 2006 0

كنت أمشي في باريس في شارع “جورج سانك” في بداية العام 2002 أفكّر بالقاهرة وأخطط لزيارتها. “الزيارة” كلمة مجازية إذ انه لم يكن مسموحا لي بعد بالاقامة في بيروت بشكل دائم. بل زيارات متقطّعة لا تزعج خاطر الأمن السوري اللبناني.
وصلت الى مدخل فندق “جورج سانك” الذي نزلت فيه برفقة الرئيس تقي الدين الصلح وهو على عراقته. قبل ان يشتريه الوليد بن طلال ويجعل منه الفندق الأفخم البرّاق من الخارج ومن الداخل وهو ما لا يستهويني في الفنادق. حتى الحرس في الخارج يتصرفون بتأهب المنتظر لاعتداء من أحد الداخلين إليه للسؤال عن صديق مقيم او تناول مرطبات في البار الرصين.
فجأة أجد الدكتور جهاد عوكل خارجا من الفندق. سلام وكلام ودعوة ملحة منه للدخول. لم أجد مفرا فالدكتور جهاد صديق عزيز ولطيف ترافقه خفّة الدم أينما ذهب.
الدكتور جهاد رجل في متوسط العمر يهتم بقيافته وأناقته والحصول على فترة من الراحة بعيداً عن الأمير الأكثر تحركاً في العالم أي الوليد بن طلال.
هو طبيبه الخاص منذ سنوات طويلة جدا وأصبح مع الوقت وكثرة الترحال رفيقا وصديقا للأمير إذا صح التعبير.
ذهب الى السعودية بعد تخرجه ليعمل مع المجموعة الصيداوية التي يترأسها الشيخ رفيق الحريري باسم “أوجيه السعودية”. ثم انتقل لظروف لا أعرفها الى العمل لدى الأمير الوليد.
صيداوية الدكتورجهاد ما زالت بادية على لهجته وهواه تجاه الرئيس الحريري على حاله من الود. فهو يعرف العائلة والأولاد والأقارب وهم صغار. ويحرص على علاقة ود كلما سنحت الظروف مع الشيخ سعد الحريري المقيم في السعودية مشرفاً على أعمال والده.
دخلنا الى البار، لنعود فورا في الحديث الى بيروت. الأمير الوليد يحب القنابل الدخانية ولو اضطر الى إطلاقها داخل مكان مغلق يجلس هو في داخله. هكذا هو منذ صغره يفتش عن الخطأ كي يرتكبه وإذا لم يجده مجانا يشتريه بما معه من مال. كل الروايات المنشورة عنه في كتاب “الوليد” الذي كتبه ريز خان وهو صحافي عمل طويلا في C.N.N. تؤكد هذا الطبع فيه. وكل الشهادات التي أدلى بها أقاربه في بيروت ومنهم خالتاه السيدتان بهيجة وليلى وابن خالته رياض الأسعد تتحدث عن طبيعة مشاكسة وشرسة للأمير الصغير الذي تعلّم في لبنان برعاية والدته الأميرة منى ابنة الزعيم رياض الصلح الرئيس الأول لمجلس وزراء استقلال لبنان والوحيد بين الزعماء اللبنانيين الموجود بقوة في العالم العربي. ومطلّقة الأمير طلال بن عبد العزيز المعروف بليبراليته غير المقبولة في السعودية من أشقائه.
كان الأمير قد زار بيروت لتسلّم وسام أنعم عليه به رئيس الجمهورية العماد إميل لحود. ثم دار على بعض المقرات الرسمية والدينية متبرعاً لبكركي ولمسجد محمد الأمين ولغيرهما من المؤسسات.
الى هنا الخبر عادي. اجتمع الى الصحافيين في منزل جده حيث تقيم عائلة والدته ليشنّ حملة على السياسة الاقتصادية للحكومة التي يترأسها الشهيد رفيق الحريري، ملقياً على الوزراء درساً في أداء واجباتهم الاقتصادية تجاه بلدهم ومتبنياً وجهة نظر الرئيس لحود في كل القضايا العالقة بينه وبين الرئيس الحريري.
بدا أن زيارة الساعات الست للأمير الى بيروت أثارت زوبعة من التساؤلات حول مصدر الكلام الذي قاله الوليد. هل هو سياسة رسمية سعودية أم آراء أمير يتفاخر بأنه حقق عدداً كبيراً من مليارات الدولارات خلال سنوات قليلة؟ هل ما تضمنه كلامه عن الوضع الاقتصادي مؤشر جدي لتردّي الوضع أم هو نظرية في الاقتصاد قد تصح او لا تصح؟
اضاف الوليد فوق الاسئلة “نكتة باردة” حين أجاب عن سؤال باحتمال توليه رئاسة الحكومة اللبنانية بالقول “لكل حادث حادث”. بينما قال للصحافيين الأجانب “نعبر الجسر عندما نصل إليه”، باعتبار انه يحمل الجنسية اللبنانية منذ العام 94.
لم يكن الرئيس الحريري على عادته طويل البال، إذ وجد ان كلام الوليد بن طلال المدعوم من الرئيسين اميل لحود وبشار الأسد هو إعلان حرب في المنطقة الأخطر من عمله أي الملف الاقتصادي. ومهما كان تفسير كلام الأمير وأياً كان المفسّر فلا بد من الاعتراف بأن أميراً بهذا الحجم المالي سيكون لكلامه تأثير بالغ السوء على سمعة الوضع الاقتصادي سواء في لبنان او في العالم العربي.
بدأت وسائل إعلام الحريري بالهجوم المضاد على الأمير الوليد. وعقدت هيئات اسلامية عديدة اجتماعات ندّدت فيها بكلام الوليد. حتى إن مجموعة متحمسة من المتظاهرين قصدت دار الفتوى لتطالب المفتي الدكتور قباني برفض التبرع الذي قدمه الأمير مساهمة في بناء مسجد محمد الأمين.
لم يكن الرئيس الحريري يريد من كل هذه الضجة إصابة الأمير معنويا فقط. بل أراد تنبيه ولاة الأمر في السعودية إلى ان ما يحدث مع الوليد يؤدي الى مأزق بين اثنين محسوبين على السعودية وقادرين على الاشتباك في الساحة اللبنانية. وهي ليست الصورة التي تريدها السعودية لسياستها أينما كان فكيف في لبنان حيث يجعل الاعلام من حادثة جريمة كبرى؟
استعدنا جهاد وأنا الأحداث. اقترح عليّ جهاد طلب مقابلة الأمير الموجود في باريس. أجبته بأنه سبقني بالاقتراح إذ إنني كنت أنوي طلب لقاء الأمير.
الدكتور عوكل يعلم أنني أعرف الأمير الوليد منذ سنوات طويلة حين كان في بداية ثروته وحركته. رافقت الرئيس تقي الدين الصلح في زيارة رسمية الى جدة في منتصف الثمانينيات. بعد مقابلته للملك فهد رحمه الله أرسل لنا الوليد طائرة أقلتنا الى الرياض حيث استقبلنا في المطار وبتنا ليلة واحدة قبل العودة الى بيروت.
كان واضحا على الأمير الجانب اللبناني فيه. ليس فقط بسبب وجود ابن عم جده تقي بك ومن معه. بل حتى لوحات السيارات الفخمة التي انتظرتنا في المطار تحمل أرقاما صغيرة ومميزة. مكتبه مليء بصوره مع الكبار من آل الصلح عائلة والدته. ووراء كمية محدودة من اسماء الشركات التي يساهم فيها.
في الحديث بيني وبينه بعد العشاء أظهر الأمير الوليد رغبته في العمل السياسي في السعودية آنذاك وقال انه اكمل دراسة الماجستير في أميركا حتى يكون جاهزا في الوقت المناسب لتسلم منصب وزارة الخارجية.
ذهبت الأيام لأذهب الى المطار في بيروت مستقبلا الأمير البليونير ممثلا للرئيس الحريري ومصطحبا إياه الى قريطم حيث يجتمعان على انفراد الى ان يأتي وقت الغداء فيدخل الجميع الى قاعة الطعام. لم يكن من السهل الشعور بالراحة في العلاقة مع هذا الأمير الذي يظهر من ماله ما لا يستطيع إنسان تحمله. كل صوره المنشورة هي إظهار لأملاكه. حضوره. طائراته. أعماله. حتى الحديث معه سريع. متوتر. لا يخرج الى رحاب الطبيعة الانسانية. الأفلام الموثقة عنه تتحدث عن نفس الاشياء وتتناقل الصور نفسها.
إذا ذهب الى الصحراء فالبارز هو العطايا للبدو الذين يلقون القصائد في مدحه. وإذا تبرع بآبار ماء لقرى سعودية فقيرة يدور الخبر على كل الصحف ناسياً انه لا يجوز ان تكون هناك قرى فقيرة وغير مزودة بالبنية التحتية في دولة نفطية غنية يحكمها أعمامه. لا يفرّق بين لقاء مسؤول دولة كبرى وبين سفير دولة في آخر خريطة العالم. يريد من الاعلام ان يتعامل مع الصورتين بالتساوي. المهم ان تظهر صورة الأمير. وصل به الأمر حد اصدار كتاب عن أعماله الخيرية في السعودية وغيرها من الدول، وبعد توزيع عدد محدود منه على بعض الأمراء صدر القرار بسحبه وعدم تداوله إذ انه لا يجوز شرعا فهو إهانة للمحتاج وغرور من الواهب.
لم يجد الرئيس الحريري سهولة في قبول وقائع الأمير الوليد. لكن الجانب “الصلحي” فيّ جعلني ألح على ضرورة استقباله وتشجيعه على العمل في لبنان. تركت جهاد وعدت الى منزلي أنتظر اتصاله. قلت في نفسي لا بد من قراءة الصفحة الأخرى من الوليد.
يقدم الأمير الشاب نفسه على أنه ليبرالي. يريد التطوير في بلده. يسعى إليه. يعمل عليه. هو اول من صرح بأن هجمات أيلول الأميركية إنذار للسعودية كي تراجع المشاكل التي تواجهها داخليا. وهو الداعي للولايات المتحدة ان تخفف من انحيازها في منطقة الشرق الأوسط.
موقع “ميدل ايست انتلجنس بوليتن” يقول انه تبرع للمجاهدين في أفغانستان ضد النظام الشيوعي وانه قام بزيارة سرية الى مواقع المجاهدين في أفغانستان. إلا انه في هذه الأيام يصف أسامة بن لادن بأنه صدام حسين.
يشجّع السيدات السعوديات على الظهور والعمل وفي مكتبه عدد من السيدات العاملات في مجال الإدارة والعلاقات العامة. آخرهن فتاة سعودية تسلمت قيادة طائرته الخاصة.
يدعو لانتخاب مباشر لمجلس الشورى السعودي بدل التعيين وهذه خطوة متقدمة في مشروعية النظام السعودي وليس استجابة لضغوط دولية فقط، إذ إن الانتخابات هي من أجل مزيد من التمثيل الشعبي.
هل حققت هذه العناوين السعودية حضورا شعبيا جديا للوليد؟
من الصعب الاجابة بالايجاب عن هذا السؤال. فهو بتناقضاته المعلنة يستثير الكبار الذين يذكّرهم بثروته يوميا فيبدأون بالتساؤل عن مصدرها ويترك الصغار ضائعين فيما إذا كان هو رجل خير او رجل اعلام عن عطاياه.
قابلت الكثير من الأمراء والشخصيات وحتى الناس العاديين في السعودية فلم أعرف أحدا يرتاح إليه. عندما يضيق السؤال عليهم ينقسمون بين محايد وخصم له.
إذ ان مصدر أمواله يثير الكثير من التساؤلات التي اعتادها هو. كيف يصبح أميرا شابا بين العشرة الأوائل من اصحاب الثروات في العالم خلال 20 سنة. مجلة ايكونوميست الاقتصادية الرصينة ساعدت على الرد على هذه التساؤلات إذ قالت “ان الأرباح التي حققها الوليد من استثماراته غير كافية لشرائه مجموعة ضخمة من الأسهم في العام 1990. ولا بد ان يكون لديه مصدر كبير للدخل غير معلن”.
هذه استنتاجات دراسة مفصلة نشرتها “الايكونوميست” عن تطور ثروته منذ البداية. إلا إذا كان أعضاء كبار في العائلة المالكة يعطونه أموالا للاستثمار منعا للإحراج السياسي لو قاموا بذلك بأنفسهم. مع العلم بأن رؤساء الشركات الكبار التي يساهم فيها الوليد مثل دوناكارن، ديزني لاند، بول رايشمان للتطوير العقاري، هم من اليهود، على حد قول “الايكونوميست”. الاحتمال الآخر ان يكون لدى الأمير تسهيلات في تبييض الأموال حققت جزءا كبيرا من ثروته في بداية تكوينها. مع الأخذ في الاعتبار ان الاجراءات الدولية لمكافحة التبييض تجعل هذا الاحتمال غير واقعي.
انتظرت هاتف جهاد حتى الثانية ليلا. أغلقت هاتفي ونمت. كنت مسافرا في اليوم التالي الى بيروت. فتحت الهاتف وأنا في السيارة في طريقي الى المطار. فإذا برسالة صوتية من جهاد في الثالثة صباحا تبلغني ان الأمير يريد مقابلتي. اتصلت بجهاد النائم طبعا ليخبرني ان الأمير سأل عنّي في الثالثة صباحا وان عليّ البقاء لملاقاته. أجبته أبقى إذا كان هناك موعد. قال سافر إذاً ونرسل لك التأشيرة الى بيروت لتأتي لمقابلة الأمير على موعد في الرياض.
وضعت التأشيرة على جوازي في السفارة السعودية في بيروت. حددت موعد السفر. وجدت نفسي ملزماً بإبلاغ الرئيس الحريري، إذ ان التطوع بدور خلال لقاء في باريس شيء والذهاب الى الرياض شيء آخر.
ذهبت الى قريطم. استمع إليّ الرئيس الشهيد بدقة. تمهّل في الجواب. أقنعته بأن يتابع نجله سعد هذا الموضوع. أولاً لأنه يعيش في السعودية وثانياً يخفف الكثير من الإحراج عن والده.
دخلت على الأمير الوليد في مكتبه في الرياض بعد خمس دقائق من موعدي، إذ انه على عكس السمعة الأميرية، مواعيده دقيقة. كما هي قراراته سريعة. حملت إليه كتاب “يمنى” الذي ألّفه الزميل سمير عطا الله بأسلوب ساحر. وهو يحكي قصة سيدة أغرمت بالزعيم رياض الصلح قيل انها شقيقة الرئيس الأول للاستقلال الشيخ بشارة الخوري. فرح الأمير بشبوبية جدّه الوارد الحديث عنها في الكتاب. ثم امسك بتذكرته اللبنانية ليريني إياها. قلت له لا قيمة لهذا المستند باسم وليد رضا الصلح. أي مواطن لبناني يستطيع إقامة دعوى أمام القضاء يعترض فيها على حصولك على جنسية لبنانية بموجب مرسوم جمهوري بتهمة التزوير. استوى الأمير على مقعده سائلا: كيف يحدث ذلك أليس المرسوم الصادر رسمياً؟. أجبته بنعم ولكن كونه بغير اسمك الأصلي يعتبر لاغيا إذا ما وصل الأمر الى القضاء. أعلم ان باستطاعتك سياسيا منع حصول ذلك. لكن أمام القانون تفقد جنسيتك بسهولة. ذهبت الفرحة من عيون الأمير الوليد. قلت له هل تعرف من هو رضا بك الصلح. أجابني بالنفي. اسأل من في مكتبك من اللبنانيين او من أهل صيدا.
لم ينفعه أحد بجواب. أكملت: رضا الصلح، هو والد جدك رياض الصلح. وهو قاض كبير في أيام السلطنة العثمانية. تولى منصبا إداريا رفيعا في بلاد البلقان باسم السلطنة.
اسمع يا رضا. كما جاء في أغنية زياد الرحباني. آخر مرة التقيتك في المكتب نفسه منذ 15 سنة. كانت لوحات الشركات التي تملكها او تساهم فيها أقل بكثير. لم يعد هناك مكان للصور القديمة التي رأيتها. مبروك عليك اللوحات الإضافية التي تزين ظهرك. لكنني أذكر أيضا أنك كنت راغبا في وزارة الخارجية السعودية منصبا لك. فما الذي أتى بك الى لبنان لكي تتشاتم مع اللبنانيين. تأخذ جانبا منهم لا يجوز لك أخذه، وتترك جانبا لا يجوز لك تجاهله.
الرئيس الحريري لم يفترِ عليك في أي موضوع وهو سعودي الالتزام والهوى. لا يؤذي كلامك لو كان صادرا عن مواطن عادي ولكنك من العائلة المالكة وكثير من الناس يعتقدون انك تتحدث باسم العائلة. فتكون أوقعت الضرر بلبنان الذي تحرص عليه، لا بالرئيس الحريري وحده. لا يغرّنك أحد بأنك تستطيع ان تكون رئيسا للوزراء في لبنان. لا الرئيس اللبناني ولا الرئيس السوري صديقك. السياسة في لبنان رمال متحركة. لن تساعد مالياً أكثر من الحريري وهو رغم ذلك يتعرض للهجوم يوميا.
كان واضحا من كلام الأمير الوليد انزعاجه الشديد من التظاهرة التي توجهت الى دار الافتاء اعتراضا على كلامه. وانه متمسك بنظرته في السياسة الاقتصادية.
التظاهرة يا سمو الأمير رد فعل. أما نظرتك الاقتصادية للوضع اللبناني فلماذا ترسلها بالبريد. اذهب لرئيس مجلس الوزراء اللبناني وأبلغه بها. ثم صرّح على باب قريطم بما قلته في دارة جدّك. ستكون صادقا مع نفسك مع اللبنانيين الذين يستمعون إليك. أما أن يظهر كلامك مساندا لرئيس الجمهورية في وجه رئيس مجلس الوزراء فهذا يزيد انقساماً لا يفترض انك تريده او تستفيد منه. تريد ان يكون لك وجود في لبنان فليكن وجود خير يعلّم الجاهل ويشفي المريض ويسعف المحتاج. لو صرفت عشرات الملايين سنويا في هذا الجو فستأخذ طابعا سياسيا يفقدها معناها وتأثيرها.
تحدثنا عن سعد الحريري وبدا عليه الود تجاهه. ساعتان وعشر دقائق لم يتلق خلالها مكالمة واحدة بتعليمات منه والحديث يدور عن لبنان. أحزابه. طوائفه. قضاياه. جمعياته. بدا انه اقتنع بالكلام حين حدّثته عن ضرورة الاهتمام بجمعية المقاصد لكونه يهتم بمراكز الدراسات الاسلامية المعتدلة التي تبرع لإنشائها في الجامعة الأميركية في القاهرة والجامعة الأميركية في بيروت. أجابني ضاحكا: المقاصد حصة الرئيس الحريري. لن اقترب منها.
انتهت المقابلة بعد ان اتصل بمدير استثماراته وهو لبناني من الشويفات اسمه الأميركي بي. جي. شقير قائلا: لدي رجل يعرف الكثير تعال وناقشه في ما تريد بشأن مساهمتي في “النهار”.
مرة أخرى. يا سمو الأميرة العشرة بالمئة التي تنوي المساهمة بها لن تعطيك نفوذا سياسيا في الجريدة. الرئيس الحريري يملك 34 بالمئة وهو لن يتنازل عن حصته أياً كان الذي وعدك بذلك. ساعد “النهار” بما تريد وسيحفظ لك آل تويني الود أكثر من المساهمة. لم يقتنع برغم ان شقير كان من وجهة نظري. غادرت الرياض في اليوم التالي. ابلغت سعد بما حصل. لم أعد أعرف شيئا الى أن جاء تموز يوليو من السنة نفسها فإذا بالوليد مفتتحا فندق الموفمبيك داعيا الرئيس الحريري ببطاقة بريدية، دون دعوتي حتى بالبريد. يعيد كلامه عن السياسة الاقتصادية رابطا الاستثمار في لبنان بحلول اقتصادية تتحلى بالموضوعية والشفافية والوضوح. أكثر من ذلك حمّل اللبنانيين جميل تشغيلهم في الفندق. وكأن القانون اللبناني يسمح بغير ذلك. ثم اصدر بيانا اعترض فيه على سياسة الحكومة في موضوع الهاتف الخلوي التي كانت موضع مناقشة حادة في ذلك الوقت.
أكمل الوليد طريقه نحو الانقسام. ألقى خطابا في “البيال” في المؤتمر الدولي للسياحة يؤيد التمديد للرئيس لحود ويطلب من المعارضة معرفة حدودها.
رد عليه الجميع هذه المرة. النص البسيط يقول انه يجهل تراث جده.
للمرة الأولى تدخل الرئيس الحريري مع القيادة السعودية. فنقلت وكالة الأنباء السعودية عن مصدر سعودي مسؤول ان التصريحات التي أدلى بها في لبنان تعبّر عن رأيه الشخصي كما ان سموه ليست له أي صفة رسمية.
هدأ قليلا وجاء الى دارة آل الحريري للعزاء بالرئيس بعد استشهاده. صبر لمدة سنة حتى جاء افتتاح فندق الفور سيزنز في دمشق فإذا به يعود الى عهده السابق بمخاطبته المعارضين للقيادة السورية في لبنان ووصفهم بالمتغيرين والمتقلبين “ووحدكم الذاهبون قريبا إن شاء الله”.
ثم حدد العلاقة بين العاهل السعودي والرئيس السوري على انها خط أحمر محظور الاقتراب منه.
الذين يعرفون علاقة العاهل السعودي بالرئيس السوري يعرفون انها لا تحتاج الى تهديدات فارغة من القدرة من الأمير الوليد، فلماذا يحمّل نفسه ما لا طاقة له على احتماله ولم يطلبه منه أحد بالتأكيد؟ ولماذا يفتش عن حفرة الانقسام بين اللبنانيين ليضع نفسه فيها؟ كنت افترض ان المؤسسة التي انشأها باسمه في لبنان بإدارة السيدة الفاضلة والجليلة ليلى الصلح التي تحمل ابتسامتها قبل تبرعاتها الى الناس، كنت افترض ان هذا الوجود قد حقق الغرض الذي يريده الأمير الوليد من رفع اسمه في لبنان. لكن يبدو ان مسّ العظمة القادرة لا يصيبه إلا حين يتحدث عن لبنان حيث تربّى ولم يتعلّم ولم يستقر على حد قول ابن خالته رياض الأسعد في كتاب “الوليد”.
كيف لخالته ليلى ان تصفه في الكتاب نفسه انه “بسبب تربيته اللبنانية قادر على استيعاب الثقافات المختلفة ومدرك لمعنى الاستقلال والسيادة والحرية”. ثم يخيّب أملها بتصريحاته.
لماذا لا يفعل ذلك في مصر؟ في السودان؟ في الامارات؟ او حتى في الدول الأفريقية؟
من أين يأتي الوليد بدالّته الكلامية على لبنان واللبنانيين. هل لأنه يستعمل عقله ويكبح عاطفته على حد قول ابن خالته. أم هو فقد القدرة على الاستماع فيتذكر ما قرره فقط.
لبنان ليس ملعبا للهو السياسي. يكفي اللبنانيين ما أصابهم حتى الآن والآتي أعظم. اتركنا حافظين لجميل جدّك علينا ولحسن إدارة خالتك. وإلا فإنك ستضطر لسماع أغنية زياد الرحباني “اسمع يا رضا” مرات ومرات علّها تذكرك بالاستماع الى غير نفسك.