استنساخ المشنوق للعراق

قالـوا عنه 01 يوليو 2014 0

كل شيء أنيق في وزارة الداخلية. كل شيء في مكانه الصحيح: اللوحات والطاولات، الورد المناسب لألوان الستائر ولوحة الأرزة الجميلة المتآخية بتزاوج الأصفر والأخضر والبنيّ فيها مع رخام المكتب. ليس غريباً كل هذا. أينما حل نهاد المشنوق، في البيت أو في المكتب أو في منفاه الباريسي يهتم بأدق تفاصيل المكان.
لا شيء يشبه أناقة الأمكنة إلا اهتمامه بملبوسه وربطات عنقه وأزرار قميصه وساعته وأظافره وشعره الذي غيّر تسريحته 3 مرات على الأقل في السنوات الماضية. لا شيء يشبه أناقة الرجل المجاهد دائماً لتخفيف وزنه سوى انسياب الجملة حين يكتب في الصحافة. ولا شيء يناقص فخامة الصوت سوى رقة الكلام حين ينحرف صوب قليل من الغزل والحب.
الكتابة عن نهاد المشنوق بحد ذاتها ورطة. الكتابة عن وزير الداخلية الجديد أقل تورطاً. نهاد الكاتب يمتلك سعة معرفة وحساً استراتيجياً وخبرة سياسية طويلة وقدرة على تظهير تلك المعرفة بقوالب جميلة. ونهاد السياسي مُربِك لأصدقائه وحلفائه قبل خصومه. يصبح عثمانياً حين يريد. متطرفاً حين تقتضي ضرورة سحب البساط من تحت أقدام المتطرفين. سنيّاً ملتزماً حين يفرض الصراع اصطفافاً. عروبياً حين ينظر صوب فلسطين. خليجياً سعودياً لما يغالي الرفاق بخليجيتهم. لبنانياً متعصباً حين يزداد الضغط الإقليمي. وفي كل التطرف المتعمد، وخصوصاً في السنوات القليلة الماضية، لا يقطع مع خصومه السياسيين. بين خصومه في السياسة أصدقاء كثيرون.
وأما نهاد الوزير فهو جريء ومغامر حتى ليكاد يوحي بأنه يلعب ورقة العمر. دأبه في ذلك دأب رجال السياسة في لحظات التاريخ. إما يلتقط الرجل اللحظة أو تمر عليه فينساه التاريخ. يغامر معالي وزير الداخلية في معركة ضرب الإرهاب. يغامر بجرأة المدرك أن مثل هذه المعارك لا تراجع فيها. هذه معركة تشبه من يدفع صخرة صوب قمة الجبل، لو تراجع سحقته. يعطي أوامر أكثر من جريئة. يذهب الى سجن رومية متحدياً. يتصل قبل السابعة صباحاً برئيس مجلس النواب، مقترحاً عليه وقف احتفال اليونيسكو بسبب معلومات عن سيارات مفخخة. يقاطع معلومات السفارات. يدرك أن لبنان مقبل على وضع صعب. يغطي خططاً أمنية واعتقالات. لا فرق إن حصلت الاعتقالات في بيئته السنية. يعرف أنه بجرأته يحمي هذه البيئة قبل غيرها. يشدد التحالف الأمني مع حزب الله، حتى لو اقتضى الأمر تنسيقاً مباشراً مع الحاج وفيق صفا.
على مكتبه الأنيق تقارير كثيرة. معظمها أمني. هذا طبيعي. بعضها استراتيجي. هذا غير معهود إلا عند قلة من الوزراء. يقرأ عن لبنان والمنطقة. تأتيه المقالات والدراسات المترجمة. هذا دأبه مذ كان قريباً من القيادة الفلسطينية، ثم كاتباً صحافياً، ثم قيادياً بيروتياً، ثم المستشار الأبرز قرب الرئيس الراحل رفيق الحريري.
لعب نهاد المشنوق ومثله وزير العدل أشرف ريفي دوراً إيجابياً في التقارب مع حزب الله وحركة أمل لإنجاح الخطة الأمنية. صار مسؤولو حزب الله وبعض حلفائهم في الإقليم يتحدثون بإيجابية كبيرة عن نجاعة هذا التعاون بين صقور تيار المستقبل وقوى 8 آذار.
الآن، وفيما يزداد غرق العراق بآفة الإرهاب والتكفير والذبح والقتل، يتساءل المرء عن استنساخ التجربة الحكومية اللبنانية هناك. لا مجال للإقصاء في محاربة الإرهاب. الشراكة الوطنية الحقيقية تنقذ الأوطان. الحلول العسكرية مهمة، لكنها غير كافية. الغطاء السياسي هو الأنجع. لا مجال لغطاء سياسي نصفي. مكافحة الإرهاب بحاجة إلى تعاون سني شيعي بالدرجة الأولى. نجحت التجربة في لبنان بغطاء إقليمي ودولي، ولكن أيضاً وخصوصاً بوصول الجميع الى الاقتناع بأن الإرهاب هو ضد الجميع سنّةً وشيعة.
عرف نهاد المشنوق في الأشهر القليلة الماضية منذ توليه وزارة الداخلية كيف يربح قلوب خصوم سابقين. جذب شعبية لافتة في أشهر قليلة. صار دوره يبعث على الطمأنينة بعدما كان خصومه يتهمونه بتأجيج الصراع في لبنان وسوريا وباللجوء الى خطاب مذهبي. هذا ليس تراجعاً عن مواقف لا يزال نهاد السياسي والكاتب مؤمناً بها، إنما هي ضرورة المساهمة في إنقاذ الوطن.
هي لحظة للتاريخ. لعل بعض أهل البيت المستقبلي مرتاحون للأمر، وبعضهم الآخر يخشون أن يخطف نهاد الوزير أضواءهم. لكن الأكيد أن نهاد السياسي الاستراتيجي عرف الآن كيف يقطف لحظة التاريخ بحنكة كبيرة. هذا كفيل بفتح أبواب كثيرة، حتى ولو أن ثمة قلقاً فعلياً من أن تطرق بابه أصابع الإرهاب.