إنّما النصرُ صبرُ ساعةِ .. (1) ” حديث شريف”

مقالات 15 يناير 2007 0

رافقت الرئيس رفيق الحريري عام 1993 في أول زيارة رسمية له الى الكويت.
بعد استقبال حار من رئيس وزراء الكويت الشيخ سعد العبد الله الصباح في المطار، انتقلنا الى زيارة أمير الكويت السابق في مقره الرسمي. كان واضحا أنه يتمسك بنسبة عالية جداً من مظاهر الحكم وهو الخارج من أزمة هي الأصعب في التاريخ الحديث في طبيعتها. أي الاحتلال العراقي للكويت وتحرير الجيش الأميركي وحلفائه لبلده انطلاقاً من السعودية.
إلا أن الأمير السابق رحمه الله بالغ في تعففه عن مظاهر الحكم، فنصف الوقت المخصص للاستقبال البروتوكولي للوفد اللبناني برئاسة الحريري امضاه إما مغمض العينين أو ساكتا عن الكلام.
قيل لنا بعد انتهاء المقابلة الأميرية من باب اللطائف عنه إنه لا يتباسط في الحديث مع زواره خوفاً من أن يطالبوه بالمال وهو الحريص عليه. وقد ثبت أنه من خلال هذا الحرص استطاع الكويتيون عند حاجتهم إلى المال إيجاد الكثير من الأرقام الفلكية في ما يسمى صندوق الاستثمار الكويتي في الخارج.
لا بد من الاعتراف هنا أن صندوق التنمية العربي في الكويت يأتي في الدرجة الثانية من حيث تمويله لعدد كبير من المشاريع في لبنان بعد الصندوق السعودي رغم إغفاءات الأمير السابق المتكررة والمقصودة في حضرة ضيوفه.
انتقل الوفد اللبناني بعد اللقاء البروتوكولي مع الأمير في قصر البيان الى قاعة الاجتماعات حيث تقابل الوفدان اللبناني برئاسة الرئيس الحريري والكويتي برئاسة الشيخ سعد العبد الله الصباح في مجمع قصور البيان الأميري الذي لم يتم بعد ترميمه بالكامل.
***
بدأ الحديث الشيخ سعد بالترحيب طبعاً راجعاً بالذكرى الى احتلال الجيش العراقي للكويت وقد شاهدتم آثاره قبل أن تدخلوا الى هذا المبنى .
تذكّر الشيخ سعد المفاوضات بينه وبين العراقيين في جدة قبل الاحتلال مادحاً الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله وكيف دخل على الوفدين في اللحظة الأخيرة ما قبل نهاية الجلسة الأخيرة متبنياً تعهّد السعودية بدفع الفارق بين ما تطلبه الكويت وما يبدي العراق استعداداً للاعتراف به من الديون المترتبة على العراقيين.
كان في حديث الشيخ سعد ولي العهد ورئيس الوزراء الكويتي نبرات حقد على دولة احتلت أرض بلاده ودمرت الكثير من منشآتها العامة وشردت شعبها. كذلك ظهر استعلاء في حديثه عن الرئيس صدام حسين ورفاقه في القيادة ما لا يمكن أن تسمعه من رئيس دولة عظمى.
أما حديث المال، وهو اختصاص الكويتيين ، فقد أصر الشيخ سعد على أن حق دولته في استرداد ديونها مقدّس ولولاه، أي المال، لما استطاع صدام حسين أن يحارب إيران لمدة 8 سنوات.
كانت المطالعة التي قدمها ولي العهد الكويتي جافة وحادة وخالية من أي أنواع التواضع السياسي لدولة تأسست منذ أيام واستقلت منذ أيام أقل وعانت الاحتلال بالأمس وتعلن اليوم نصرها بعيدا عن الحقائق الجغرافية أو السياسية أو حتى الموضوعية للمنطقة التي تعيش فيها.
هكذا كانت مشاعري التي لم أبح بها في ذلك الحين احتراما لطبيعة الجلسة. خاصة بعد أن تجاهل الحريري رحمه الله كل هذا الكلام منتقلا بالحوار الى العلاقات الطيبة بين البلدين والشعبين. مما أعاد الحوار الى طبيعته الودودة بين رئيسي الوفدين. وزاد الشيخ سعد في وده الى حد الطلب من الرئيس الحريري ترك نجله سعد الذي يرافقه في الزيارة في الكويت ليعمل بإشراف سميّه الكويتي ولي العهد ورئيس الوزراء في ذلك الحين.
***
تابعت كما غيري من العرب عملية الاجتياح العراقي للكويت لكنني لم أفهمها ولا تحمست لها إلا بعد أن سمعت حديث المسؤول الكويتي الكبير عن العراق قيادة وشعبا وجيشا ففهمت لماذا اتخذ الرئيس صدام حسين رحمه الله هذا القرار.
كنت أعتقد أن الإعلام الكويتي والغربي يبالغ في أوصافه عن العراق لضرورات دفاع الأول عن بلاده والثاني عن مصالحه، وأن لزمن الحرب لغته ومفرداته التي لا مفر منها. أما أن يتحدث مسؤول كويتي بهذا الاستخفاف وهذه الحدة عن حاكم بغداد أياً يكن فهذا ما لم أفهمه أنا. فكيف لمن خاض حربا لا يجرؤ عربي على التفكير بها في وجه الثورة الإيرانية في أوجها؟
من أين لأي عربي حاكما أو مسؤولا وفي منطقة الخليج بالذات أن يسأله مالاً أو يحمّله مسؤولية؟
حاكم عاصمة العباسيين الذي ألزم شعبه بمليون شهيد من أولاده وتحمل تبعات إنسانية واجتماعية لحرب دامت ثماني سنوات وجعلت آية الله الخميني رحمه الله يقول لقد تجرّعت السم بقبولي قرار مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار.
حاكم بغداد يطالَبُ بمال من دولة يعتقد أنه السبب في بقائها على قيد الوجود ولا يجتاحها بجيشه؟
لا يكون حاكما للعراق ما لم يفعل هذا. فعل ذلك دون أن يتجرأ أحد على القول له إنه استعجل نصراً وهمياً ولم يصبر فدقّ المسمار الأول في نعش نظامه.
***
هناك الكثير من الروايات حول تشجيع الأميركيين له لاحتلال الكويت. لكن الرواية الأولى والدائمة والأكيدة لمن يعرف نشوءه وأطباعه وتكوينه هي رواية صدام حسين شخصيا. لذلك لم يكن من الصعب تشجيعه على ما يهواه كما لم يكن من السهل ثنيه عما يريده.
لم تحتج القوى الغربية ولا القوى العربية التي ساندته في حربه على إيران الى الكثير لتكتشف أن لا خلاص لها من انتصاره على إيران إلا بتوريطه في هزيمة عربية لا تحتاج جيشه للوصول إليها في دولة مثل الكويت. لكنه فعلها وترك للأقدار أن تسير بمراكب حياته.
هو ترك لقبضته أن تقرر مصيره منذ اليوم الأول لشبابه. منذ المنصب الأول له في حزب البعث. منذ الساعة الأولى لرئاسته للعراق. منذ الاجتماعات الأولى لقرار الحرب على إيران. منذ الأيام الأخيرة للمفاوضات مع الكويتيين قبل إرسال جيشه لتأديب المحاسب الكويتي. حتى السنوات الأخيرة من حياة نظامه التي عرف فيها الشعب العراقي شظف العيش وفوضى الدولة. حتى الساعة الأخيرة من حياته صورة حبل المشنقة على رقبته شهيدا مظلوما للمرة الأولى منذ طفولته حتى اليوم الأخير من حياته.
***
عاش صدام حسين طفولته يتيم الأب فرعاه عمه زوج والدته بداية، ثم خاله خير الله طلفاح محافظ بغداد الأسبق والضابط في الجيش البريطاني أيام انتداب البريطانيين للعراق.
انضم الى حزب البعث في السنة الأولى التي تلت انتقاله الى بغداد لإكمال دراسته الثانوية بإشراف خاله.
استبق قدره بأن شارك وهو في الحادية والعشرين من عمره في محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم حاكم العراق اليساري عام .1959 فكان نصيبه الهرب الى سوريا حيث تعرف بمؤسس الحزب ميشال عفلق ومن ثم الى مصر حيث عاش لمدة أربع سنوات. يقول قدامى البعثيين إن عفلق استلطف ما سمعه عن صدام حسين من استعمال سريع لقبضته ومسدسه. فقد كان يشكو عفلق من كثرة المنظرين وقلة المنفذين في حزبه في بغداد.
بالفعل لم يترك الشاب اليتيم الأب فرصة إلا وأكد فيها رغبته في استعمال قبضته. في المدرسة. في الجامعة. في الحزب. في المقاهي. حتى ذاع صيته بأنه هو الحاسم في معارك المنتديات العامة بين البعثيين والشيوعيين العراقيين. الى أن تسلم مسؤولية الإشراف على التنظيم العسكري الحزبي إضافة الى مسؤولية المكتب الفلاحي وعضوية القيادة القطرية وهو لم يبلغ الثامنة والعشرين من عمره.
استعجل قدره مرة أخرى وخطط للانقلاب على عبد السلام عارف فكان نصيبه السجن قبل حصول التنفيذ لمدة سنتين حتى عام 1966 حين هرب من السجن متابعا مهامه الحزبية وأهمها الانقلاب على الرئيس عارف.
***
في 17 تموز 1968 وصل على ظهر دبابة الى القصر الجمهوري مطيحاً بعارف، معيداً حزبه الى السلطة برئاسة أحمد حسن البكر.
تولى خلال عشر سنوات تجميع أركان السلطة في يده. لم يترك شيئا في السياسة الخارجية أو الداخلية أو العسكرية إلا وتولاه هو شخصياً.
تفنن في تشكيل اللجان المعنية بالملفات العامة ومنها الإعلام ليترأسها شخصيا بصفته نائبا لرئيس الجمهورية والحاكم الفعلي.
وصل في انتشار سلطته وحدة مفعولها أنني التقيت دبلوماسيا عراقيا في باريس في أواخر السبعينيات. فوجدتها مناسبة للتداول في أحوال العالم العربي.
على عادة الإعلاميين سميت نائب الرئيس العراقي باسمه في الحوار فانتبهت الى أن الدبلوماسي العراقي لا يلفظ الاسم بل الصفة السيد النائب ، كأنه حاضر بيننا أو كأنه حرّم من كثرة سطوته أن يتحدث عنه أحد دون أن يسميه بلقبه دون اسمه. وهكذا كان حال الكثيرين من العاملين في الإدارة الخارجية العراقية.
لم يتحمل صدام حسين وجود أب مثل الرئيس أحمد حسن البكر فوق رأسه رغم أن قرابة كانت تجمعهما. ورغم أن البكر تبناه حزبيا وقبل بالكثير من التجاوز لمنصبه أو لآرائه. إلا أن ذلك لم يشفع له. فكانت الرسالة الأولى اغتيال نجل البكر وبعدها بأشهر في ذكرى السابع عشر من تموز عام 1979 قبول استقالة البكر من منصبه ليجمع صدام بين يديه كل الألقاب. رئاسة الجمهورية. أمانة سر القيادة القطرية. رئاسة مجلس قيادة الثورة.
***
لم يكفه هذا. ففي اليوم الرابع من تسلمه رئاسة الجمهورية جمع أعضاء مجلس قيادة الثورة وكل القياديين في الحزب في قاعة وجلس على مسرح أعد لهذه الغاية ليطلب من كل صاحب اسم يتلوه الخروج من القاعة الى الإعدام. بلغ عدد الأسماء ثلاثون قياديا. التهمة هي التآمر مع الحكم السوري على انقلاب في العراق.
بالطبع لم تكن التهمة صحيحة. ولا الذين صدر عليهم قرار الإعدام قادرين على القيام بانقلاب. لكنه وجد في إعدام أقرب الحزبيين إليه وسيلة لاعلان مصير كل من يخطر بباله مناقشته في أمر يقرره أياً يكن.
كنت أعرف حساسيته من النظام السوري البعثي منذ اللحظة الأولى لتسلم البعث الحكم في سوريا في العام .1966 لكن لم يخطر في بالي آنذاك أنه يمكن لهذه الحساسية ان تتحول إلى اعدام رفاق مقربين له من الحزب الحاكم.
ذهبت إلى بغداد لمقابلة طارق عزيز نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية في ذلك الحين. دخلت عليه في مكتبه حاملا سؤالا واحدا. لماذا أُعدم من أُعدم. ما هو المقصود بتعبير المؤامرة. هل هو انقلاب حزبي أم عسكري.
استغرب عزيز سؤالي مفترضا ان من يأتي إلى بغداد يقبل بالوقائع كما هي. لم أجد مفرا من استفزازه سائلا: هل تعني المؤامرة أنهم كانوا سيضعون العراق في شنطة سفر ويأخذونه معهم إلى سوريا؟
لم يبتسم عزيز، بل احتدّ مجيبا استاذ. هذه مؤامرة حزبية. ألا يكفيك هذا؟ .
نشرت جوابه في المطبوعة التي كنت اكتب فيها في ذلك الحين وبالطبع منع العدد من دخول العراق. هكذا حال كل من كان يسأل عن واقعة عراقية. إما ان يبقى في الداخل ولا يخرج وإما ان يخرج ولا يعود.
كانت أشرطة الفيديو المسجلة لواقعة الاعدامات الحزبية توزّع على فروع الحزب في العالم العربي والمغتربات فيراها الحزبيون وكل من يعرفهم للمرة الأولى في تاريخ أي حزب في العالم. إذ كيف يعقل لرئيس دولة ان يعلن عدله الحزبي بهذه الطريقة ليس في بلده فقط بل في انحاء العالم أيضا.
من هنا كانت حدّتي في السؤال حنيذاك. وبالتالي الكتابة بنفس الحدّة فيأتيني منع المطبوعة جوابا.
***
مرة أخرى استعجل صدام حسين قدَره معلنا بداية دمويّة لعهده حاكما وحيدا لا يستعين إلا بأهله في الحكم ولا يثق إلا بأقاربه في المراكز الأمنية والعسكرية.
برغم ذلك خيّب أهله وأقاربه ظنّه. إن لم يكن كلهم فأقربهم بالتأكيد. لم يكن باستطاعته قبول او تصور ان احدا من اقاربه يشارك في حديث عنه ليس فيه تمجيد لاعماله ولشخصه.
ضاق صدره من أحاديث خاله خير الله طلفاح والد زوجته وأم أولاده ساجدة وشقيقها وزير دفاعه.
صار يأمر باعتقال حواريي طلفاح الأب الذي فتح ديوانا في منزله بعد ان اصبح مؤلفا للكتب الإسلامية. واجتمع في هذا الديوان بعض من اقارب ومحبي طلفاح الأب يناقشون احوال البلاد والعباد. لم ينفع التحذير. قُتل نجله وزير الدفاع في حادث طائرة غامض داخل العراق. بدأ الصوت يصعد من داخل منزل ساجدة أم الأولاد. تزوج غيرها وأقفل عليها وحولها كل باب للكلام.
زوّج ابنتيه رغد ورنا من ضابطين مرافقين له من اقاربه. رفض اشقاؤه حضور الفرح اعتراضا على مستوى الضابطين اللذين كان احدهما سائقه الخاص فإذا به يصبح وزيرا للتصنيع العسكري مع ميزانية مفتوحة.
انتهى الأمر بهروب حسين كامل وشقيقه الى الأردن مع عائلتيهما ليتقدما بما لديهما من معلومات حاقدة اكثر مما هي حقيقية عن التسليح العراقي.
عادت عائلتا ابنتيه مع زوجيهما، ورفض شقيقهما الاصغر العودة معه. فكان نصيب الوزير وشقيقه الاعدام على يد افراد عائلة المجيد التي ينتمي إليها صدام حسين.
سلّم شقيقيه من والدته برزان ووطبان مناصب أمنية، فأصبح برزان من اشهر رؤساء المخابرات في العالم العربي. فإذا به يتوجّس شرا منهما. فينتهي برزان في جنيف لسنوات طويلة قبل ان يعود ليشهد الاحتلال الاميركي للعراق ويقف امام المحكمة نفسها التي اصدرت حكم الإعدام بشقيقه الرئيس منتظرا دوره للوصول الى حبل المشنقة. أما وطبان فقد عاش على الهامش الى ان اعتقل قبل مدة بعد هربه الى سوريا. صارت عائلته مصدر قلق دائم له بدلا من ان تكون محيط اطمئنان.
***
مرة جديدة يكلّف صدام حسين نفسه بما لا طاقة للعراق وحده على تحمّله.
وجد ثورة إسلامية تقوم في إيران وتمتد في وهجها الى كل العالم الإسلامي. كان يعرف ان الحرب قادمة إليه شاء أم أبى ليس بسبب عناصر اللحمة التي تجمع بين المعارضة العراقية التي اعتقد انه قطع رأسها بإعدام آية الله محمد باقر الصدر وشقيقته. بل لأن الوهج الإيراني سيطال كل الدول العربية.
وجدها فرصة للامساك بزعامة المنطقة العربية بعد ان كان محظرا عليه المشاركة في اجتماعات الدول الخليجية.
ذهب إلى الحرب بقراره مستعجلا نافد الصبر كعادته. واضعا جيشه وشعبه في مواجهة استمرت ثمانية اعوام.
لا احد يستطيع انكار انه استقطب موجة تأييد عربية ودولية في تلك الايام 8088 لم يحدث لرئيس عربي ان استقطبها. وجدت انظمة الخليج في قراره وفي شعبه سدا امام انتشار افكار الثورة الإيرانية. فتحوا له صناديق المال وتسهيلات المعدات العسكرية والمطارات والمرافئ.
المهم ان يقاتل وحده ويقف في وجه ما لا يريدون وصوله إليهم. بالفعل نجح صدام حسين من هذه الزاوية في تحقيق ما يريده العرب والغرب. لكنه حين انتصر قالوا له كفاك ما اخذت وكفاك ما فعلت. اذهب انت وشهداء شعبك المليون وقاتلوا.
لم يحتمل الصدمة بداية. حوله الخراب والدمار. وفوق ذلك تعالي من حارب دفاعا عنهم؟
قررت الكويت في عز انتصاره ان هناك نزاعا حدوديا مع العراق على ارض في باطنها النفط. مارس الحكم الكويتي عليه كل اساليب المفاوضات مع دولة جارة لها ما لها وعليها ما عليها. لا شفاعة للحرب ولا مكارمة للذين قاموا بها.
من جديد فقد صبره وحمل صدام حسين ما تبقى من جيشه واجتاح الكويت ليقول لكل دول الخليج مرة اخرى الأمر لي .
مخطط التحرير الأميركي متوفر. تردد الملك فهد رحمه الله في الموافقة على اعطاء الجيش الأميركي تسهيلات على الأراضي السعودية فأتوا له بصور تظهر توجه القوات العراقية نحو الأراضي السعودية.
بالطبع لم تكن الصور صحيحة ولا كان في نية الجيش العراقي احتلال أراضٍ سعودية. ولكن في اليوم الثالث لعرض الصور الممنتجة وافق العاهل السعودي على المخطط الأميركي. كان باستطاعة صدام حسين ان يذهب بجيشه الى الأراضي المتنازع عليها مع الكويت وينتظر هناك من يفاوضه وسيجد الكثيرين ينتظرونه للمفاوضات هناك. ولكن من أين له الصبر ونائبه يطلب موعدا من أمير الكويت فتمر الأيام دون تحديده؟ تحررت الكويت ودخل العراق في حالة من الفوضى لسنوات طويلة لا تعرف من اخبارها غير مزيد من التدهور بسبب الحصار المفروض عليها.
يقول سعيد أبو الريش في كتابه صدام حسين: سياسات الثأر ان الخميني ليس وحده من يتحدث إلى الله مباشرة بل صدام أيضا يعتقد ان لديه رسالة بأن يجعل من العراق دولة قدوة للعالم العربي.
ولكن أبو الريش يضيف ان لدى صدام مكتبة غنية عن ستالين وهناك أوجه تشابه بينهما، ستالين من عائلة متواضعة ونشأ مع والدته. استعمل الاجهزة الامنية وكره الجيش. كذلك فعل صدام.
حان وقت القطاف. العراق الدولة العربية الوحيدة التي تملك النفط والماء والمعرفة البشرية. تسقط في حضن الاحتلال الأميركي وفوقه الظلم المحلي المتراكم على مدى السنوات. حقق صدام مبتغاه. أصبح شهيد المسلمين في العالم العربي. وصارت صورته مع حبل المشنقة جزءا من الذاكرة العربية لا تمحى.
مهما قال عنه الخليجيون فإنهم خسروا فيه عنصر اطمئان لن يجدوه بعد اليوم. ومهما قال عنه العراقيون فإنهم خسروا فيه عنصر وحدة لم تعد متوفرة. كيف لا والنظام الذي أعدمه تسبّب مع الاحتلال الأميركي بسبعمئة الف قتيل حتى الآن؟
يتبع