إنصافٌ مستحق

قالـوا عنه 11 نوفمبر 2016 0

nouhad-mashnouk-620x330

راهن الكثيرون على فشله. قالوا: لقد أودعوه كرة نارٍ لا تهدأ. أرادوه في مواجهة شارع يتراقص بعنف على وقع المذابح والمظلوميات. شيّدوه سدًا منيعًا يحصر تدفق الدم ويلجم كل روابط الدين والتاريخ والجغرافيا. ضحكوا طويلًا في السر وفي العلن، ثم راحوا يهمسون بصوت مسموع: سجلوا لديكم. إنها بداية نهاية رجل شجاع.

كانت مهمة نهاد المشنوق شبه مُستحيلة. دخل وزراة الداخلية مرفقًا بربطٍ هشّ للنزاع، وبعاصفة تجتاح المنطقة بلا هوادة. شكلت الخطوة بحد ذاتها مغامرة كبرى توازي الانتحار أو الاغتيال السياسي. أمسك زمام المبادرة وأقدم بلا وجل، ثم راح يحفر الجبل بإبرة أودعها تقي الدين الصلح في عقله وقلبه ووجدانه. لم ييأس للحظة. تعاطى مع كل المتحركات انطلاقًا من براغماتية ناعمة زاوجت بين ثوابته وعروبته وبين موقعه ودوره، واستطاع أن يؤكد للقاصي والداني أنه رجل دولة من الطراز الرفيع.

توالت الطعنات من كل حدبٍ وصوب. حمل الرجل على كتفيه جبلًا يمور بألف بركان وبركان. لم يرحمه قريبٌ أو بعيد، ولم يتوان صديقٌ أو لدودٌ عن صفعه ومقارعته. حافظ على صبره ورباطة جأشه وحضور عقله. لم يندفع خلف أي ترهات أو شعبويات. أدرك حساسيّة دوره وقدسيّة رسالته: لا مجال لأنصاف الحلول وأنصاف المواقف وأنصاف الرجال. إما أن ننجح وننتقل إلى الضفة الآمنة. وإما أن نغطّ جميعًا في قلب هذا الجحيم.

منذ توليه منصبه، كان نهاد المشنوق الشغل الشاغل لمروحة واسعة من المناهضين والغرف السوداء. لا يكاد يمر نهاره بلا زوبعة هنا أو عاصفة هناك. احتوى بصدره كل الصخب وكل الضجيج، وثابر على لعب دوره بأفضل الممكن وأكثر المتاح. أخبروه أن شعبيته بدأت تهتز في غير مكان، وأنه يهرّول نحو أفول نجمه وانحسار وهجه وبريقه. ابتسم كعادته. استذكر ما عاناه رفيق الحريري في سِنيّه العجاف: لا بأس. ربما يأتي يومٌ يُنصفني فيه الناس والتاريخ.

عرفت الرجل عن كثب. تجوّلت في عقله وشخصيته وطريقة عمله. توغلت عميقًا في مدرسته الأنيقة، وفي كل زواية تُحاكي حضوره ونفيه الرباعي. راقبت طويلًا ما تعرّض له من ظُلم وحملات مُمنهجة، وها أنا أراقب مجريات تأليف الحكومة الجديدة. كل شيء يتغيّر بين ليلة وضحاها إلا حضور نهاد المشنوق. هو ثابت في موقعه. لم يعترض طرف. لم تبرز إشارة. الجميع بات يُسلّم بأهمية دوره وضرورة حضوره، وهذا جزءٌ يسير من الإنصاف الذي يستحق.