إفطار وزارة الداخلية: لبنان يحيا على التعاونِ لأجلِ الاصلاح وثقافة المسؤوليةِ

كلمات 23 يوليو 2014 0

نظمت وزارة الداخلية والبلديات حفل افطار غروب اليوم برعاية وحضور الوزير نهاد المشنوق في باحة وزارة الداخلية في الصنائع بحضور المسؤولين الامنيين والاداريين وعدد من الشخصيات السياسية والاقتصادية والاعلامية.
بعد كلمة مدير الادارة المشتركة العميد الياس الخوري تحدث الوزير المشنوق فقال: “اسمحوا لي قبل بداية كلمتي، ان احيي باسمكم جميعا الاشقاء المقاومين في غزة والقطاع، وعلى كل شبر من فلسطين الغالية، الذين يسطرون يوما بعد يوم ملاحم البطولة في وجه عدو شرس بات متخصصا في ارتكاب المجازر ضد الاطفال والنساء والشيوخ، واستهداف مراكز العبادة والمستشفيات ومنازل الامنيين، ليضييف المزيد الى سجلاته الحافلة في الجرائم ضد الانسانية ، والتي بات تتطلب وقفه عربية ودولية فاعلة تحقق انتصار الحق على الباطل، وتضع حدا للصمت المريب – العربي والدولي على حد سواء – الذي يعكس اكثر من عجز قد يصل الحد التواطؤ. وادعوكم الى الوقوف دقيقة صمت حدادا على الشهاء والابرار الذين خضبوا بدمائهم الزكية ارض فلسطين الغالية
واضاف: اهلا بكم في الاسبوعِ الاخير من شهرِ رمضانَ المبارك . لن ارحبَ بكم في وزارةِ الداخلية ، لانها بيتُكم ، كما هي بيتُ جميعِ اللبنانيين الى ايِّ طائفةٍ او حزبٍ او تيارٍ سياسي انتموا، هي وزارةُ كلِ لبنان ، بالقولِ والممارسةِ الوطنية.
لقد اردتُ من هذا اللقاء ، الذي يجمعُ بين العاملين في وزارةِ الداخلية ، امنيين واداريين وخبراء ، ليس شكركَم على واجبٍ تقومون به فحسب ، بل كذلك للتأكيدِ على ان فضائلَ هذا الشهر المبارك ، تشكلُ حافزا لنا جميعا للاقتداءِ بها وهي قيم كانت وستبقى من النعمَ التي خص بها الله وطنَنَا  في ثراءٍ روحي علينا ادراكَ ابعادِه وسطَ هذه الظروفِ المؤلمةِ والمقلقة التي تعيشُها منطقتُنا، ومن مظاهرِها المقلقة استهدافُ العيشِ المشترك بين المسلمين والمسيحيين ، في وقتٍ ما كان فيه الاسلامُ يوما الا دينَ الهدى والحق ، دينَ الرحمةِ والالفةِ بين القلوب ، وما كانت فيه المسيحيةُ الا دينَ المحبةِ والتسامح ، دينَ التسامي والتفاني من اجلِ الخير . ولعلَّ النموذجَ اللبناني الذي صمدَ عبر التاريخِ خيرُ دليلٍ على ان الايمانَ بالقيمِ والعيش الواحد المجسد في يومياتِنا – في وزارةِ الداخلية وغيرِها من الوزارات – في خدمةِ المواطنين من ايةِ منطقة اتوا والى اي معتقدٍ روحي انتموا  .
تلك هي مهمتُنا في وزارةِ الداخلية وبها نؤمنُ ومن اجلِ نجاحِها  عملتُم وتعمَلون .
ايها الحضورُ الكرام ،
حين كنا نقولُ إن لبنانَ يقيمُ على خطِ الزلزالِ كان البعضُ يتهمُنا بالمبالغة من اجلِ تبريرِ التسويةِ، او التنازلِ او التراجعِ او ما شئتُم من مسميَّاتٍ ونعوت . والواقعُ اليوم إننا نعيشُ وقائعَ هذا الزلزالِ وهزاتِه الارتدادية في كلِ تفصيلٍ من تفاصيلِ حياتِنا الوطنيةِ  والسياسيةِ في لبنان.
إننا نعيشُ وسطَ حريقين كبيرين جداً جداً جداً :  الاول  هو انهيارُ الدولةِ السورية وسطَ حربٍ مفتوحةٍ على شعبٍ اعزل، بشكلٍ غيرِ مسبوقٍ يتفوق على مشاهد الحربِ العالميةِ الثانية. واما الحريقُ الثاني فهو ترنُّحُ الدولةِ العراقيةِ واحتمالُ سقوطِها وانشطارِها الى زواريبَ وأحياءٍ ودويلات….لا سمح الله.
لذلك اسمحوا لي بالكثيرِ من الواقعيةِ والقليلِ من الحرارةِ التي يسألني عنها البعضُ في خُطَبي ومواقِفي . عندما شُكِّلت الحكومةُ الحالية ، شُكلت كمحاولةٍ لحمايةِ ما امكنَ من لبنانَ على قاعدةِ ربطِ النزاعِ مع من نختلفُ معهُم، ومحاربةِ الارهابِ من دونِ مواربة، بصرفِ النظرِ عن المسؤولياتِ التفصيليةِ عن الارهابِ الذي يتسللُ إلينا، لاننا ننطلقُ من قناعةٍ راسخةٍ بأنَّ هذا الارهابَ ، اذا ما تمكَنَ منا ، فلن يَبقى لنا بلدٌ نختلفُ فيه او نختلفُ عليه  ، مهما توهَّمَتْ أقليةٌ غاضبةٌ هنا ، او أقليةٌ محبَطَةٌ هناك ، ان الارهابَ الذي نرفضه جملة وتفصيلاً ديناً وشرعاً وايمانا هذا مرفوض مرفوض مرفوض. وفي الارهاب ليس هنالك من دين ولا ايمان
لقد دخلنا الى الحكومةِ مدركين سلفا انَ هذه مهمةٌ غيرُ شعبيةٍ ولا تثيرُ حماسةَ الناس، كلِ الناس، في الفريقين السياسيين في البلد، وهذا واقعٌ مثبتٌ في ردودِ الفعلِ من الجانبين ساعةَ تشكيلِ الحكومة. لكن هذه حقائقَ ندركُها كما يدركُها  خصومُنا، وليس بيننا مَن يكتشفُ البارودَ الان. بل هي الحقيقةُ الوحيدةُ المتاحة لنا وِفقَ كلِ المعطياتِ المتوافرةِ أمامنا على المستوى الوطني وفي الاقليمِ الذي نعيشُ فيه. وأقول بكلِ صراحةٍ شاهداً أمامَكُم في هذه الامسيةِ من شهرِ رمضان المبارك: اتركوا المزايداتِ جانبا. ووفروا التشكيكَ والنعي ومفرداتِ الهدمِ … من لديه اقتراحاتٌ اخرى  فليتقدمَ بها بشرطِ ان تكونَ على قاعدةِ حمايةِ البلدِ والناسِ والأرواحِ والأرزاقِ ما امكنَ الى ذلكَ سبيلا.
لبنان – ايها الاعزاءُ – لا يحيا على التشكيكِ والتهديمِ والمزايداتِ والتحريضِ …بل على التعاونِ والتنافسِ من اجلِ الاصلاح الحقيقي وبلورةِ ثقافةِ المسؤوليةِ من اجلِ مواطنيةٍ فاعلةٍ ومتساوية .
وكي اكونَ واضحاً مع نفسي ومعكُم. ما أقولُه ليسَ أستسلاما ولا توقيعا ولا موافقةً على ايِ امرِ واقعٍ حالي،  بل اؤكدُ باعلى درجاتِ الصدقِ والنزاهةِ والوفاءِ للشهداء، من الشهيدِ الاول رفيق الحريري الى الشهيدِ الاخير محمد شطح  ، أننا ما زلنا نقفُ عند ما نختلفُ عليه:  من السلاحِ غير الشرعي ودورِه المرفوضِ في الداخلِ اللبناني خارج مواجهة العدو الاسرائيلي ،  الى مسألةِ القتالِ في سوريا ، وصولا الى قناعتِنا بانه ليس هناك نظامَا بديلاَ يحكمُ العيشَ الواحدَ بين اللبنانيين خارجَ اتفاقِ الطائفِ الذي انهى الحربَ وانتجَ ميثاقا وطنيا ، وبات دستورا للبنان . هذه عناوينُ الخلافِ الاساسي ولن نغيرَ في موقفِنا منها حرفاً واحداً.  وبالتالي إن ما نسعَى اليهِ في هذه اللحظةِ المعقدةِ الخطيرة وطنيا وإقليميا،هو تحمُّلِ المسؤوليةِ الوطنيةِ عبرَ تنظيمِ الخلافِ بيننا كلبنانيين وكقوى سياسيةٍ منعا لانهيارِ الوطن.
هذه مسؤوليةٌ وطنيةٌ نتحملُها في أصعبِ الأوقاتِ وهي لا تبتغي تحقيقَ أرباحٍ سياسيةٍ او إصابةِ اهدافٍ انتخابيةٍ ،  بل هي على العكسِ تعبيرٌ عن الاستعدادِ الصادقِ لوضعِ قناعاتنا الشعبية والسياسية في خدمةِ حمايةِ لبنانَ واللبنانيين. فنحنُ لا يمكنُ الا ان نكونَ مع خيارِ الدولةِ ، حتى عندما تقصِّرُ هذه الدولةُ او يَعتري اداءُ بعضِ مؤسساتِها نوع من الاختلالِ في التوازن.
وبما اننا نتحدثُ بعد ايامٍ على تطوراتِ طرابلس الاخيرة. اريدُ ان أؤكدَ ان أحداً منا لن يقف في وجهِ الدولةِ حين تقومُ بواجبِها في محاربةِ الارهابِ وتوقيفِ من يجبُ توقيفُه، ولكننا في الوقتِ نفسِه لن نعطيَ بعضَ الاجهزةِ  ، براءةَ ذمةٍ مطلقة.
اننا نتمسكُ بان تتحققَ اعلى درجاتِ العدالةِ والمساواةِ في تطبيقِ القانونِ ومحاربةِ الارهاب. ونحن نرفضُ ان يُملَى علينا واقعُ ان في لبنانَ ” إرهاب بسمنة وإرهاب بزيت “، او  “مجرمون بسمنة ومجرمون بزيت “، وكما قلتُ في حضرةِ دولةِ رئيسِ الحكومة وقادةِ الأجهزةِ الامنية وكما أكدتُ في الاجتماعاتِ مع الأخوةِ الزملاء في قوى 14 آذار  ، لن نتراجعَ عن اصرارِنا على تصحيحِ الخللِ في الخطة الامنية ، وهذه مسؤوليةٌ تقعُ على عاتقِ كلِ الدولةِ بمؤسساتها السياسيةِ والأمنيةِ وقواها السياسية.

ايها الحضورُ الكرام ،
اعلمُ ان بينكم وانا أتحدثُ الان من يسألُ نفسَه او يتمتمُ لجارِه : وماذا بقيَ من لبنان اصلا او ايُ دولةٍ تلك التي تحدثوننا عنها؟  الحقيقة ، وبصرفِ النظر عن الأوهامِ حول عدمِ وجودِ دولةٍ في لبنان، لقد اعلنتُ من القصرِ الجمهوري بحضورِ فخامة الرئيس ميشال سليمان – الذي تمنيتُ في حينِه ان يظل رئيساً حتى الان- اعلنتُ وانا مرتاحُ الضمير انني ومنذ اليوم الاولِ لدخولي الى وزارةِ الداخلية تأكدتُ ان البنيةَ التحتيةَ للدولةِ قائمةٌ وبخير، ولمستُ ذلكَ في التعاطي اليومي مع عسكريي ومدنيي الوزارةِ بكلِ أقسامِها ودوائرِها الواسعة. وهذه الدولة هي ما يجب ان نحميه لتبقى لنا خميرةٌ نبني عليها لبنانَ الغد، لبنانَ الذي كنا وسنظلُ نَعِدُ انفسَنا به. وهذا لا يتمَ الا بتحملِ مسؤوليةِ القرارِ بتنظيم الخلاف ، وتحقيقِ حد ادنى من الهدنةِ السياسية التي تتيحُ ترميمَ ما يمكن ترميمُه، لاسيما وتكراراً ان التحدياتِ التي نواجهُها خطيرة وخطيرة جداً.
عندما سميت وزيراً للداخلية وهي أم الوزارات كما يقال عنها، وجدت نفسي مخيّراً بين أمرين: الغرق في العمل اليومي في كل الملفات وما أكثرها أو وضع أولويات استراتيجية لعملي في الوزارة وهو مهما طال لن يكون أكثر من أشهر.
اعتمدت الأولويات الثلاث الآتية:
أولاً: العلاقة بين وزارة الداخلية ومؤسسة الجيش. لقد اعترى هذه العلاقة ارتباك عمره سنوات طويلة.
ذهبت إلى وزارة الدفاع زائراً ومحاوراً لأكثر من مرة ووضعت هناك قواعد الشراكة الوطنية والوظيفية بين المؤسسات العسكرية في مواجهة الارهاب. تجاوزنا ارتباكات الماضي القريب والبعيد وأسسنا لشراكة قائمة على وحدة الهدف والمساواة في المسؤولية التزاماً وواجباً وشهادة.
على هذه القاعدة حققنا ما تحقق من الخطة الامنية ومازال امامنا الكثير تصويبا وتوازناً وتنفيذاً.
التحية الأولى لشهداء القوى المسلحة الذين قدموا أرواحهم دفاعاً عن اللبنانيين في مواجهة الارهاب.
والتحية الثانية إلى دولة الرئيس سمير مقبل وإلى الجنرال جان قهوجي عماد الشراكة الوطنية بين القوى المسلحة. فالجيش عماد الوطن وقوى الامن الداخلي لواء الوطنية.
الاولوية الثانية هي ملف النازحين السوريين ،لا أدّعي أننا حققنا الكثير في هذا الملف، لكننا نجحنا في الحكومة بوضع أسس تحدّ من تدفق النازحين ونعمل مع المنظمات الدولية المعنية على أن تكون هذه الأسس هي القاعدة لمسؤولية الدولة أولاً عن هذا الملف المرشح بطبيعة التطورات السورية أن يزداد تعقيداً.
الأولوية الثالثة هي ملف السجون، ترميماً للقديم منها وبناءً لما نحتاجه. في مسألة الترميم جمعنا حتى الآن ما نحتاجه من المجتمع المحلي مؤسسات وأفراد بفضل الحاكم رياض سلامة أيقونة الاستقرار المالي والرئيس الدكتور فرنسوا باسيل والريس محمد شقير وغيرهم من رجالات المؤسسات التي تجاوبت مع هدف وطني نبيل يساوي بين انهاء فلتان الارهاب داخل السجون وبين تأمين الحد الأدنى من الحقوق الانسانية للمساجين.
وسوف تظهر في المستقبل القريب النتائج الأمنية والانسانية لهذا التمويل.
أما بشأن بناء سجون جديدة فسنبقى على همتنا في طرق كل أبواب الدول المانحة العربية لتأمين التمويل اللازم.
لقد عملت جاهدا وبدعم من الرئيس سلام على السير في املاء الشواغر في المديريات التابعة لوزارة الداخلية خصوصا في المراكز القيادية،حيث تم ملء الشغور في احد عشر مركزا قياديا واولها تثبيت المدير العام لقوى الامن الدخلي اللواء ابراهيم بصبوص ومن بين المعينيين ثلاثة نسوة.

ايها الحضورُ الكرام ،
لقد تمكنَ لبنان ، بفضلِ نظامِه ان يصمدَ في وجهِ الكثيرِ من الاعاصيرِ والمحن والاضطرابات والهزاتِ السياسية ، في وقتٍ عُشنا ونعيشُ في جوارِنا القريبِ والمحيطِ الابعد ، انهيارَ انظمةٍ وسقوطَ دولٍ وتفككَها واندلاعَ حروبٍ وذوبانَ مجتمعات …فكفى  ” التبشير ” حينا بسقوطِ النظامِ في لبنان ، والترويجُ احيانا لسيناريوات تُناقضُ التاريخَ والجغرافيا وتنذرُ بالويلِ والثبور وعظائمِ الامور …وعوضَ المضيِ في التشكيكِ واعتمادِ سياسةِ النحر الذاتي ، فلنتكاتفْ  ونتضامنْ ونعملْ على المحافظةِ على هذا النظامِ ونتوافقْ على تطويرِه ولا نضيعَ الفرصَ … لكي يبقى لبنان اولا  ، فلا نُستفردَ ، ولا تُفرضَ حلولٌ على حسابِنا في مرحلةِ التحولاتِ الكبرى التي نعيش .
ختاما ، لقد دخلت الى هذا المبنى للمرة الأولى في العام 92 مع قامة وطنية تاريخية ازدادت حضوراً وشموخاً وتأثيراً بعد استشهاد صاحبها عنيت الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي وضع أولوية واحدة فقط لا غير وهي بناء الدولة حجراً وبشراً. كما لا يمكنني ان انسى الشهيد الذ يسكن بالي دائما هو الشهيد اللواء وسام الحسن.
وعدت الى المبنى نفسه بعد اثنين وعشرين عاماً بتسمية من الرئيس سعد الحريري حامل لواء الوطن الآمن والأمين، واضعاً نصب عيني أولوية واحدة أيضاً هي حماية الدولة بكم ومعكم جميعاً دون استثناء.
عشتم
عاشت قوى الامن الداخلي
عاش الامن العام
عاش لبنان