إفطار إتحاد جمعيات العائلات البيروتية: النصر للقمر العربي على الهلال الإيراني

كلمات 03 يوليو 2015 0

ليس أحلى من أن يكون الواحد بين أهله في بيروت. المدينة التي ليست كسائر المدن والتي تخترق محبّيها الى الأعماق وتُشعرك بأنها هي التي تأتي وتتفضّل وتُعطي، وأن الودّ طبيعة ثانية لها وتقليد عريق عندها وفيها.
وهو تقليد ملزِم بحرارته، يقتضي الوفاء، ويقتضي الشجاعة، ويقتضي النزاهة، ويقتضي الفداء بالعيون والقلوب والعقول.

للحديث مع بيروت وعنها نكهة لا تفقِد خصوصيتها. بيروت الفضائل في الشهر الفضيل. بيروت الاعتدال. بيروت العيش الواحد. بيروت لبنان أولاً ودائماً والعروبة الحديثة في الوقت نفسه.
بيروت المجروحة والجارحة. المجروحة منذ ظهيرة 14 شباط 2005 والجارحة بشفرة الحقيقة والعدالة.
لن أطيل المقدمات. أعلم أن الضغوط كبيرة على كل المؤمنين بلبنان الدولة ولبنان الوطن. وأعلم أن الأسباب التي تدفع للكفر بالدولة والوطن أكبر بكثير من ايمان البعض، ليس لضعفٍ في إيمانهم بل لأنّ العدالة، التي هي أساس سلامة الأوطان، باتت في لبنان عدالة نسبية.

نعم، أعترف أمامكم أننا لسنا دولة تبسط سلطتها على الجميع بالتّساوي. نعم، نحن لسنا نظاماً قضائياً يحكم على الجميع بالتّساوي، وفق مرجعية موحدة هي مرجعية القانون والنظام العام. وأعلم أن بينكم من لم يعد يحتمل الإيمان بنصف وطن ونصف دولة.
هذه المشاعر ليست حصراً على لبنان. ولنسمي الأشياء بأسمائها. هنالك خلل مذهبي يكبر في المنطقة، من سوريا الى العراق الى اليمن، ويزداد اشتعالاً بسبب تدخّل ميليشيات مذهبية فاعلة ضمن المشروع الإيراني، وهذا ما بدأت تداعياته تظهر في لبنان.
لقد كنا نعرف وأولنا الرئيس سعد الحريري ماذا يعني اندفاع قوة لبنانية رئيسية الى قلب النزاع في سوريا وفي وجه شعبها. ولأن علينا أن نوازن وسط الدم والاضطراب، بين أن نبقى خارج المسؤولية بالنظر للظروف السائدة، أو أن نحاول تلافي الأعظم بالوقوف في وجهه، والقيام بعملية ربط نزاع كما قال الرئيس الحريري يوم شُكلت هذه الحكومة. قررنا الدخول في الحكومة وتفعيل العمل الحكومي، وإحياء المؤسسات، وذهبنا أيضاً الى حوار مع حزب الله في المسائل التي ما كان ممكناً حلّها على طاولة مجلس الوزراء.

السؤال هنا
ماذا حقّقنا، وهل كانت تقديراتنا سليمة بشأن ما يمكن تحقيقه؟
هذا الأمر أتركه لحكمِكُم وحكمِ التاريخ. لكنني أقول بإيجاز إننا أنجزنا الكثير من التعيينات التي كانت معطلة على حساب مصالح المواطنين، وحمينا عرسال حتى الآن، وأخمدنا نيران الفتنة في طرابلس، وأسهمنا في إعادة العلاقة إلى طبيعتها المسؤولة بين جمهورنا والمؤسسات العسكرية، واندفعنا بمساعدة المملكة العربية السعودية في دعم الجيش والقوى الأمنية لكي لا تضعُف أو تُستتبع.
غير أن هذه الإيجابيات الكبيرة من جانبنا ، وأعني بجانبنا قوى الرابع عشر من آذار، والمسلمين في لبنان، لم تستطع نقل الواقع من حال الى حال، كما يُقال، بل ما زال أمامنا الكثير لنفعله بالعقل والحكمة والوعي وسط الحرائق المحيطة بنا من كل صوب وحدب بفضل المشروع الايراني.
السيدات والسادة،
قبل أسابيع تبرع قائد الحرس الثوري الإيراني ، بالإعتراف بهذا المشروع كما اعترف قادة إيرانيون آخرون سبقوه أو لحقوه. قال الجعفري إن تدخلهم في سوريا واليمن يأتي في إطار توسّع الهلال الشيعي في المنطقة والذي يجمع ويوحد المسلمين في إيران وسوريا واليمن والعراق ولبنان على حدّ زعمه.
هذه الوحدة التي لا تترجم عملياً في الدول التي ذكرها إلاّ بمزيد من الاحتقان المذهبي ومزيد من انهيار مرتكزات الاعتدال ومزيد من جنوح الناس نحو خيارات لا تشبه تاريخها وتاريخ مدنها.
فماذا بنتظر اللواء جعفري ومرجعيته ومن هم محسوبون عليه، حين تقر إيران علناً بالصوت وبالصورة أنها هي من تدير ميليشيات الحشد الشعبي في العراق التي رأينا ورأى العالم ارتكاباتها بحق العراقيين في مدن وحواضر سنيّة. وماذا ينتظر اللواء جعفري ومرجعيته والمحسوبون عليه، حين يقر بأن بلاده ساهمت في تسليح 100 ألف مسلح ضمن ما يسمى القوات الشعبية المسلحة في سوريا التي رأينا أيضاً ورأى العالم فداحة جرائمها بحق الشعب السوري.
ماذا ينتظر غير المزيد من الجنون المقابل، وانفتاح الشهية على ميليشيات مقابلة. وهو في الواقع لا ينتظر إلا ذلك ولا يتوقع إلا ذلك، والأصح لا يريد إلا ذلك.
هذا واقع نعيشه كل يوم، وليس افتراءً أو تنظيراً، ولا هو دعوة للتسليم بهذا الأمر الواقع أو ذاك. فنحن لسنا ضعفاء، ولا مهزومين، مهما علت أناشيد الانتصار عند الفريق الآخر. فهذا الفريق يعلم قبل غيره أن الوقائع في المنطقة ليست لصالحه ولا لصالح مشروع التوسع والهيمنة المذهبية التي يسعى اليها.
سينتصر القمر العربي في بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء على الهلال الايراني.مهما طال الزمن ومن يعش ير.
مسؤوليتي أن أذكركم أننا نشاهد على الشاشات كيف تنفجر المجتمعات وبأي بشاعة تنهار الدول. ومصير لبنان ليس معزولاً عن هذه المصائر إلاّ إذا أحسنّا إدارة العاصفة وعبرنا هذه الانهيارات بالعقل والحكمة والصبر والايمان.
وهذا ما لا يفعله المزايدون في لبنان.
هذا يتحدث عن انتصارات وفتوحات لا قيمة لها أبعد من عناوين نشرات الأخبار ولعبة التعبئة. وهذا يلقي دروساً بالكرامة والعزة ولا يقترح على الناس الا مشاريع الانتحار الجماعي.
على الهامش الأول بين الجميع هو منتحل صفة الحرص على الطائفة السنية وهو الذي حفر حفرة الاحباط الأعمق عند جزء كبير من جمهورنا يوم قَبِل ان يغطي الانقلاب على شرعية تمثيلكم السياسي.
هذا يلعب لعبة تجييش بغيض، واستثمار حاقد في أزمة طائفة وأزمة وطن، بل أزمة منطقة بكاملها، ظناً منا أن غسيل السمعة والتاريخ مسألة تقنية كغسيل الأموال. الأموال التي لا زالت تغذي جزءأً من الحرب على الشعب السوري، كما اكتشفنا جميعاً حين اخترق معارضون سوريون البريد الالكتروني لاسماء الاسد زوجة الرئيس السابق بشار الأسد.

مأساته، أنه لا يستطيع الهروب من تاريخه الا بتزوير تاريخ الآخرين ، وهو العارف أن الوثائق موجودة ومتاحة لكل من يريد أن يقرأ كيف أنه يرد جميل الاستثمارات في سوريا بتقديم الأموال مباشرة الى عائلة الأسد. فأين الحرص هنا يا صاحب لقب الدولة، أم أن ليس بين قتلى بشار سُنةً يؤرقُكَ موتهم.
ليسمع أهلنا في كل مكان. هذا المال ” الهاتفي” شريك في كل نقطة دم تسقط في سوريا من شهيد رجل أو طفل أو أم.
ما كنت لأُضطر أن أدخل في هذا الجانب السياسي لولا أن منتحل الصفة يقود حملة منظمة تحت عنوان الحرص على السجناء في رومية.
السيدات والسادة
إذا كان لا بد من المصارحة أيضاً فأنا أعتذر باسمي وباسم قوى الأمن الداخلي من أهالي الموقوفين الاسلاميين، ومنهم فقط، وأراهن على صبرهم وحكمتهم التي عبّروا عنها بأعلى درجات الوضوح والصدق ولم ينجرّوا خلف المزايدين أوالمحرضين.

أكرّر هنا تحمّلي المسؤوليةَ عن سلامةِ وكرامةِ السجناء، وأجدّدُ تعهّدي بأن لا تمرَّ هذه الحادثة بغير العقابِ الذي يستحقُّه مرتكبوها، متجاوزاً معاييرَ العدالة الى بعض القسوة والظلم ربّما، كي يكونَ المرتكبون عِبرةً لغيرهم. ولي شرف وشجاعة القول أنني ومنذ اليوم الأول لدخولي الى وزارة الداخلية، أعلنتُ أنّ ملفَّ السجون قنبلة موقوتة تحتاج إلى المعالجة، ولم أدّخر جهداً في هذا السّياق، وإذ بمن كان في سُدّةِ الرئاسة لثلاث سنوات يتنطّح للتشكيك والمساءلة.
أين كنتَ يا صاحب لقب الدولةَ حين حوّلتَ لبنان كلَّهُ إلى مقصلة إعدام قضى فيها لواءُ الوطنية وسام الحسن؟

بكلّ الأحوال دعونا من الصغائر، وأتفق مع صاحب لقب الدولة على أنّ “الشمس طالعة والناس قاشعة” في لبنان وسوريا أيضاً، فلا داعي للمزيد.
في الأصل لم أراهن بعد الله إلا على الناس. وبالأخص على أهل المدينة الأحب إلى قلبي، على جمهور رفيق الحريري وجمهور سعد الحريري. هذا الجمهور الذي لا يمكن إلّا أن يحمي بعيونِه وضميرِه بقية الدولة وبقية الوطن.

السيدات والسادة
عائلات بيروت هي درعُ لبنان ودرعُ الوطن. ومهما بذلنا نحن أبناء هذه المدينة فلن نوفّيها حقَّها ولا حقَّ أهلِها وعائلاتها الكريمة.

نحن في رمضان شهر الصوم والعبادة والإعتبار. وقد ضرب رسولُ الله صلواتُه وسلامُهُ عليه مثلاً لعزيمة المؤمن في الظروف الصعبة بأنه مثلُ القابض على الجمر. فإذا كان لا بدّ، فلنقبض على الجمرة ولو أحرقَت يدنا حتى لا تتحول إلى نارٍ تحرقُ الوطن.

نعم نحن القابضون على الجمر وأولنا الرئيس سعد الحريري وجمهوره، ونحن نعي ذلك، ليس منذ الآن، بل منذ أواسط سبعينات القرن الماضي. وما يئستُم ولا مللتُم ولا كفرتُم بالوطن ولا بالمواطنة.
لقد سألني كثيرون في الأيام الأخيرة عن الجائزة، إذا صحّ التعبير، والمعنى بذلك: هل لصبرِنا ولعملِنا نتيجة؟ وأقول بدون تردّدٍ، مهما شكّك المشكّكون ، واصطاد المصطادون في الماء العكر: ستكون لعملنا وعمل سائر المواطنين العاملين والمسالمين والمخلصين، نتيجةٌ واحدةٌ، وجائزةٌ رئيسية هي أن يَسلَمَ الوطنُ، وتسلَمَ الدولةُ، وتعود المؤسساتُ الدستوريةُ للعمل من أجل الوطن والمواطنين. نحن ملايين المواطنين اللبنانيين، ولن يستطيعَ أحدٌ إرتهاننا ، لا لمصالح شخصية ولافئوية ولا إقليمية لا تخدم لبنان ولا اللبنانيين.
على هذا الأمل بالله وبقدرات البيروتيين واللبنانيين جميعاً نعمل ونبني ولا نيأس ولا نتطرّف ولن نسمح لأحد بأن يسرق منّا ديننا حدّ قول سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان.
تحيات الرئيــس سعد الحريــري لكم.
عاشــت بيــروت،
عاش اتحاد العائلات البيروتية،
وعـــاش لبــنــان