أنا ضد السلاح داخل المخيمات…لا خارجها فقط

مقابلات مكتوبة 22 يوليو 2010 0

كاتب سياسي، قبل ان يكون نائبا، برز اخيرا كمفكر عندما اختاره تيار المستقبل لمحاورة الرئيس العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، في موضوع الاتفاق على حل يتناول حقوق الفلسطينيين.

في حديثه الى الصياد يدعو النائب نهاد المشنوق الى مصالحة تاريخية بين اللاجئين الفلسطينيين واللبنانيين. ويردد انه تولى هذا الملف، باعتباره عنصرا رئيسيا وجزءا اساسيا من استقرار لبنان. ويشدد، بفكر ثاقب وعقل منفتح، ان معظم الازمات في لبنان تحتاج الى قرارات غير شعبية.

ويؤكد النائب المشنوق انه حان الوقت للمصالحة، والتخلص من امراض الحرب ومشاكلها، ويورد ان الدكتور سمير جعجع قال انه يجري مراجعة لما جرى، وان العماد ميشال عون تصرف بمنطق مسؤول وان البطريرك صفير ضمانة لاي موقف.

ويؤكد ان اللبنانيين والفلسطينيين مجمعون على رفض التوطين ويتساءل: هل المطلوب من اللبناني ان يقول مع اشراقة كل صباح انه ضد التوطين، وان المطلوب الان مناقشة عنوان واحد هو حق العمل، لان التملك غير مطروح وغير مقبول.

لكن الوجه الجديد في تكتل المستقبل يفاجئك بقوله انه ضد سلاح الفلسطينيين داخل المخيمات لا خارجها فقط، وفي موضوع سيادي، الدولة تقرر ولا تقايض.

تسأله: لو اعطي الفلسطينيون حق العمل، هل تتحرر المخيمات من الحالات الشاذة فيها.

ويرد بصراحة: لا، ان هذا الامر يحتاج الى سنوات، لكنها خطوة اولى ويكشف عن اتصالات لبنانية وسورية ودولية اوقفت موضوع الجنوب عند حدود المصالحة بين الاهالي و اليونفيل.

ويعترف بان الحكومة لا تزال في حال ارباك، ويرى ان ما حدث في المطار خطأ كبير، وحيا شجاعة العميد وفيق شقير، عندما قدم استقالته.

ويتوقع ان يناقش الرئيس الحريري مع الرئيس بشار الاسد بما لم يطرح سابقا، ويؤكد ان المحاصصة فتحت شهية السياسيين على التعيينات فعطلتها. ويختم بان مرجعيته هي الحكومة، ومرجعية اللبنانيين هي المحكمة الدولية، وهذه هي وقائع الحوار.

هل ترون ان الامور في لبنان معقدة على صعيد معالجة الملفات الشائكة في معظمها، ام ان البلاد تمر في مرحلة صعبة، لا بد من التعامل معها بعقل منفتح وارادة صلبة لتجاوز العقد؟

– الارادة الصلبة والعقل المنفتح والحوار، عناصر اساسية في اي حوار حول اي موضوع لبناني شائكا كان ام سهلا، ان المشكلة الحقيقية في لبنان هي انه ليس هناك من يريد بحث اي مشكلة جديدة تحت شعار اتخاذ قرارات غير شعبية. ومن السهل ترك الازمات كما هي، ايا كان نوعها وان تعتمد خطابا تستنفر فيه الناس وغرائزها. وتقوم ببطولات شعبية، لكن من اصعب الاشياء مناقشة الامور بعقل هادىء، وان تصل الى قرارات موضوعية وموزونة وعاقلة لكنها غير شعبية.

والحقيقة ان معظم الازمات في لبنان تحتاج الى قرارات غير شعبية والا فانها لن تنجح.

مصالحة لا عداء

لوحظ خلال مناقشة ملف حقوق الفلسطينيين في لبنان انه جرى اختياركم لهذا الامر، هل كان ذلك بسبب خلفيتكم التي تتسم بعلاقات قوية مع الفلسطينيين في عهد ياسر عرفات، ام مع السوريين بعد ان كنتم من دعاة الانفتاح عليهم؟

– لا زلت على موقفي من مسألة استعادة العلاقات اللبنانية – السورية الى طبيعتها، ولم ابدل ذلك طوال هذه السنوات. لكنني توليت مناقشة الملف الفلسطيني، باعتباره موضوعا رئيسيا وجزءا اساسيا من استقرار لبنان. ولم اتصل بالفلسطينيين او ابديت اهتماما لمعرفة رأي السوريين في الامر، انما كان دافعي ارتباط هذا الملف بالاستقرار اللبناني، ولا بد من العمل عليه، والوصول الى نتيجة فيه.

لقد ناقشنا عنوانا محددا الا وهو حق العمل، ويجب ان نسجل ان الرئيس فؤاد السنيورة، بدأبه وصبره وطول اناته، تابع المضوع وترأس الاجتماعات التي توصلت الى نص موضوعي اخذ بعين الاعتبار مخاوف اللبنانيين.

اعتبر ان قانون حق العمل هو الخطوة الاولى لمسار طويل، هدفه تحويل المخيمات، من مناطق اشتباك الى طبيعة مستقرة.

واعتقد ان اللبنانيين والفلسطينيين قد مرت عليهم ظروف صعبة جدا، على صعيد العلاقة مع بعضهم بعضا وحان الوقت لاجراء مصالحة تاريخية بينهم، والتخلص من امراض ومشاكل الحرب التي عشناها، واتخذ كل منا موقفا مختلفا فيها عن الاخر. والدكتور سمير جعجع تحدث في خطاب له اخيرا عن الموضوع الفلسطيني، قائلا انه يجري مراجعة تاريخية لما جرى. ولا بد من الاستفادة من هذه العناصر كلها. فاذا كان للدكتور جعجع رغبة باجراء مثل هذه المراجعة، والعماد ميشال عون تصرف بمنطق مسؤول، عندما التقيته حول هذا الموضوع. والبطريرك مار نصرالله بطرس صفير هو ضمانة لاي موقف عادل يتعلق بحقوق بسيطة وانسانية للاجئين الفلسطينيين، فليس هناك ما يمنع ان يكون ما يحدث خطوة اولى، نحو فكرة رئيسية تتمثل بتحويل المخيمات من ساحة تستخدمها كل الاطراف، الايراني حينا، والسوري حينا آخر، واللبناني والمسلم والمسيحي والعراقي والليبي احيانا. ما الذي يمنع من وضع اسس لعلاقة سليمة بين الشعبين الفلسطيني واللبناني.
وفي مشروع حق العمل للفلسطينيين، لم نتعرض لاي حق من حقوق اللبنانيين، ولم ننتقص من فرص العمل امامهم، كما لم نحمل الخزينة وصندوق الضمان الاجتماعي اية اعباء. والرئيس فؤاد السنيورة والاخوة في القوات اللبنانية والدكتور فارس سعيد والخبراء الذين شاركوا في الاجتماعات، حيث كان هناك خبراء احصاء والاخرون عن الاونروا، وخبراء في قانون العمل اللبناني، وخبراء من صندوق الضمان الاجتماعي، بحثوا في ملف يقوم على ثلاثة عناصر تأسيسية، الاول، تأكيد هوية اللاجىء الفلسطيني الى حين عودته، وهذا يتم عبر حصوله على اجازة عمل، ليعمل في اي مهنة في القطاع الخاص لا العام. اضف الى اننا تشاورنا مع النقابات التي لديها قوانين وانظمة داخلية لتقرر وفقا لها.

العنصر الثاني، هو تأكيد مسؤولية المجتمع الدولي عبر الاونروا المعنية بالرعاية الصحية والتعليم الابتدائي والثانوي للاجئين.

العنصر الثالث، هو عدم تحميل الدولة اللبنانية اية اعباء.

في لبنان هناك ٥٠٠ الف فرصة عمل متاحة امام غير اللبنانيين، وهذه احصاءات دقيقة. منها ١٣٦ الفا من غير اللبنانيين، يعملون من دون اجازات عمل، ومن اصل ١٣٦ الفا، هؤلاء هناك ٢٣٦ يعملون باجازة عمل، منها ٢٣٦ اجازة عمل لفلسطينيين فقط. وبالتالي، عمليا، هناك ٣٦٠ الف فرصة عمل موجودة في السوق اللبنانية يعمل فيها غير اللبنانيين بشكل غير قانوني، وتاليا كل ما يجنونه لا يدفعون مقابله اي رسوم، ويذهبون الى بلدانهم من دون ان يصرف منه اي شيء في لبنان، بينما الفلسطيني اذا عمل فسينفق على عائلته الموجودة في مكان اقامته هنا. هذا اذا افترضنا ان هناك طابورا طويلا من طالبي العمل الفلسطينيين. وانا اعتقد ان معظمهم، اما لديه دورة اقتصادية داخل المخيمات، ولا يبحث عن عمل خارجه، او ملتزمون بتنظيمات واحزاب تدفع لهم الاجور من دون عمل.

واذا اتيح لنا خلال السنوات المقبلة، ان نستوعب اصحاب الكفاءات منهم في القطاع الخاص، وان نستفيد من الضرائب التي يدفعونها ومن انفاقها في لبنان، فلماذا لا اقوم بذلك؟

هل يجب ان استمر في هواجس تتحول الى هوس وسيتحول لاحقا الى مرض. اسمع كلاما عن الفلسطينيين، وكأنهم قادمون من مكان ما بعد اشهر قليلة، بينما هم موجودون هنا.

لماذا اهملناهم…

لكن هذه القضية ظلت نائمة الى ان طرح النائب وليد جنبلاط اربعة مشاريع قوانين معجلة، لماذا استيقظتم الان لبحث هذه الامور؟

– السؤال ليس لماذا استيقظنا، انما لماذا تركنا هذا الامر طوال هذه المدة؟ اعتقد انه جزء من التحولات التي يقوم بها النائب وليد جنبلاط في السياسة، هو اندفاعه في هذا الاتجاه، ومعروف عنه، كما انه معروف عن اي عاقل، ان الموضوع الفلسطيني لا يزال هو القضية المركزية في العالم العربي، ولا مشروعية خارج هذه القضية. وجنبلاط اجرى تغييرا عريضا في السياسة اكمله بموضوع انساني اجتماعي متعلق بحقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. ونحن اخذنا هذا العنوان مع الرئيس السنيورة والدكتور جعجع وحولنا الامر الى نقاش ايجابي وموضوعي بين اللبنانيين، بدل ان يكون نقطة خلاف بين مسلمين ومسيحيين، كما حصل في المرة الاولى في مجلس النواب.

كل مشكلة نعالجها بالتدريج

النائب وليد جنبلاط طرح موضوعا اشمل من طرحكم المحدود؟

– لقد طرح مسألتي التملك والعمل، نحن اخترنا التدرج في مناقشة الامور، ننتهي من حق العمل اولا ونؤجل مسألة البحث في حق التملك، لوجود وجهات نظر متعددة. وعندما نفرغ من الموضوع الاول، نناقش كيف يمكن تأمين حياة كريمة للفلسطينيين، من دون ان يتكلف اللبنانيون اية اعباء، ونحن لا نبحث عن اعباء، تلقى على الدولة غير القادرة عن حمل اعباء اللبنانيين انفسهم.

ونحن نبحث عن حلول. هناك وجهات نظر متعددة وبالتأكيد هذه مسؤولية المجتمع الدولي والعربي وليست مسؤولية لبنان بمفرده لانه لا يملك الامكانات وهو يعاني من ديون، لكن لبنان دولة رائدة في كثير من القضايا، ويجب ان يكون لديه جهد استثنائي في التشاور، والتفاوض مع الدول العربية والدول المانحة، لايجاد حد ادنى من مقومات الحياة الانسانية للاجئين الفلسطينيين في المخيم.

ديون واعباء واشتراكات

لكن الاونروا اشارت الى اموال تترتب عليها لصالح الدولة اللبنانية؟

– الاونروا مسؤولة تحديدا عن الاستشفاء والتعليم الابتدائي والثانوي.

لقد اشارت الى ديون في موضوع الكهرباء؟

– هذا يتعلق باشتراكات الكهرباء في المخيمات.

هناك فرق بين ان تنظر الى المشكلة على انها غير قابلة للحل وان تنظر اليها على انها خاضعة للنقاش وايجاد وسائل لمعالجتها. جزء من هذه المسائل الديون المترتبة لصالح المؤسسات الرسمية على المخيمات، وجزء من هذه المشاكل ان لاراضي المخيمات اصحابا، وهؤلاء لا يستفيدون من ارضهم لسنوات طويلة. لقد حان الوقت لمناقشة المسألة بهدوء وعقل، من دون ادخالها بنظام المؤامرات ومخططات المنطقة، وما يقال عن مخطط للتوطين.

وهذا الكلام غير صحيح على الاطلاق، لانه ليس هناك اجماع على موضوع من قبل اللبنانيين والفلسطينيين كما هو متوافر حول موضوع التوطين ورفضه. هل مطلوب من اللبناني مع اشراقة كل صباح، ان يقول انا ضد التوطين؟

هناك اعلان سياسي كامل يمثل اجماعا ورغبة لبنانية وفلسطينية اكيدة برفض التوطين، ولو كان الفلسطينيون يريدون التوطين، لامكنهم ذلك بين ١٩٤٨ و ٢٠٠١ لان القانون كان يسمح لهم بالتملك. طول هذه المدة ولم يتملك الفلسطينيون. اضف الى ان سلطة الامر الواقع اللبناني على الاراضي اللبنانية، كانت في وقت من الاوقات، على جزء كبير من الاراضي اللبنانية، سلطة فلسطينية، ومع ذلك لم يحصل التوطين.
بمعنى آخر كان القانون يجيز لهم التملك وهم يمتلكون المال وكانوا جزءا من سلطة الامر الواقع، لم يقدموا على التوطين فلماذا نوجه الاتهام لهم الان بالرغبة بالتملك. ان مجموع تملك الشعب الفلسطيني من العام ١٩٤٨ لغاية العام ٢٠٠١ في محافظتي الجنوب وجبل لبنان ١،٨٥%. ومجموع تملكهم في محافظة الشمال المتهمة بمحبة الفلسطينيين الزائدة اقل من ١%.

بقانون منع التملك وضعوا لهم قانونا عنصريا، وليس لدي مانع من الوقوف على رأي اللبنانيين المتخوفين من التملك لكن يجب الاعتراف بعنصريته. ولا يجوز ان اسمح لاي كان التملك في لبنان، في حين امنع الفلسطينيين، هذا كلام عنصري، كيف يمكن ان نمنع جنسا عربيا من التملك، بذريعة التخوف من عنوان سياسي، لم يمارسه الفلسطيني طوال مدة تواجده في لبنان.

ضد السلاح في المخيمات

مع فتح ملف حقوق الفلسطينيين اثار بعضهم ومنهم في كتلة المستقبل النيابية موضوع الواجبات، في اشارة الى السلاح الفلسطيني؟

– انا شخصيا لست من هذا الرأي: لان موضوع السلاح امر سيادي، بمعنى الدولة اللبنانية تقرر وتطلب التنفيذ لا تقايض. اذ ليس هناك من دولة تقايض مجموعة من اللاجئين الفلسطينيين على حقوقهم مقابل تسليم السلاح. وبالقرار المتعلق بالسلاح يجب ان يؤخذ بمعزل عن اي موجبات اخرى. ورأيي الشخصي، انا مع نزع السلاح داخل المخيمات، لأنه لم يجاوبني احد على سؤالي، ماذا يفعل السلاح في المخيمات منذ انتهاء الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام ١٩٨٢ لغاية ٢٠١٠، هو يحميهم من ماذا؟ الدولة هي التي تحمي الساكنين على ارضها. وما اقبله على نفسي من حماية ضعيفة للدولة، يجب ان يقبله الفلسطيني ايضاً. والسلاح داخل المخيمات، ليس عنصر قوة للفلسطينيين، بل عنصر ضعف وتخريب.

مناقشة لا مواجهة

لكن المشكلة ان هذا السلاح جزء من ملف اقليمي لا يقدر لبنان على حله؟

– نعم، لكن لديّ رأي، وهذا الرأي يجب ان يستند الى وقائع موضوعية ورغبة في التفاهم والمناقشة لا بالمواجهة.

عندما اتكلم بالسلاح الفلسطيني مع اي طرف خارجي، اتحدث من باب السيادة، وصاحب سيادة على ارضي، وأنا اتخذ القرار، تماماً مثلما انني صاحب قرار فتح باب فرص العمل امام الفلسطينيين. نسمع كلاماً مرضياً، مثلاً في موضوع التعليم، في القانون اللبناني الحالي يسمح ل ١٠% من غير اللبنانيين، بالدخول الى الجامعة اللبنانية والمعاهد الخاصة. واذا اعطيت الافضلية ضمن ال ١٠% للفلسطينيين، هل اعرض اللبناني للخطر. ومن مصلحتي ان اشجع الفلسطيني على الانخراط الجامعي ليكون مسؤولاً تجاه مجتمعه وعائلته، ويتصرف بطريقة هدفها الاستقرار وليس الاشتباك، علماً انه في العشرين سنة الأخيرة تشير الاحصاءات الى هجرة ١٢٠ ألف شاب فلسطيني من لبنان.

لننظر الى الأمور بموضوعية بعيداً عن الاحقاد ومورثات من فترة الحرب، موضوع السيادة اذاً ليس للمقايضة.

هل تعتقدون انه لو اعطي الفلسطينيون حق العمل، ستتحرر المخيمات تلقائياً من وجود الحالات الشاذة فيها؟

– لا، هذا امر يحتاج الى سنوات، لكنها خطوة اولى. انا صحافي قبل ان أكون نائباً ومن عائلة سياسية عمرها سنوات لا اذكر ان فلسطينياً راجعني بطلب عمل او بوساطة. نحن نتحدث عن مجتمع آخر له طبائعه وظروفه، ويجب البدء في نزع ذاكرة الحرب وانشاء علاقات موضوعية. انا مع نزع السلاح داخل المخيمات؟

خلل لا جرح

هل تعتبرون ان الجرح الذي حصل في الجنوب بين اليونيفيل والأهالي ملتئم على زعل؟

– ما حصل ليس جرحاً انما خلل متصل بدور اليونيفيل في الجنوب. ويجب ان ننتبه الى ان اليونيفيل قوات حفظ سلام وليس قوة اعتداء على اللبنانيين، كما برزت في الصورة التي اعطيت في وقت من الأوقات، تحت شعار الأهالي وحزب الله وغيره. هذه القوات جاءت بناء على قرار من مجلس الأمن بنقاط سبع وافق عليها مجلس الوزراء بالاجماع بوجود وزراء حزب الله وأمل. ووجود هذه القوات في الجنوب يؤكد على متانة العلاقة اللبنانية مع المجتمع الدولي، التي هي علاقة تاريخية. فنحن دولة تحترم نفسها، وتحترم علاقاتها بالمجتمع الدولي حتى في اصعب الظروف. صحيح ان هذا المجتمع لم يعطنا كل ما نريده، ولم يحمنا من اي اعتداء كبير، لكن هذا لا يعني اننا نتخلى عن علاقاتنا معه.

بالاضافة الى كل ذلك، هناك امر يتعلق بنص القرار ١٧٠١، الذي اشار الى انه في المهمات المتعلقة بالتصوير، او المداهمة يجب ان يتواجد الجيش اللبناني، لكن هذا لا يعني ان اليونيفيل لا تستطيع التنقل في منطقة عملها من دون مرافقة الجيش اللبناني، هي تبلغه. وقيادة الجيش ووزير الدفاع يقولان ان المشكلة في عديد الجيش وقد منع من تلبية حاجات اليونيفيل في مواكبتها في الدوريات التي تقوم بها للتصوير. اعتقد ان هذا الكلام كله غير جدّي. والحقيقة ان اليونيفيل كانت تقوم بدورها في ما يتعلق بمعلومات لديها، تحاول التأكد منها عبر التصوير وغيره والجيش اللبناني لا يريد ان يلزم نفسه بمهمات من هذا النوع، لكنها مرحلة مرّت، وارى انها جزء من رسالة تريد ان تمنع اليونيفيل من التصرف منفردة، بمهمات محددة فقط لا غير. وفي النهاية جرت اتصالات لبنانية وسورية ودولية اوقفت الموضوع عند هذا الحد. لكن يجب ان نعترف ان الحكومة والمسؤولين ووزير الدفاع تأخروا كثيراً في اعلان الموقف. لقد ظهرت صورة غير منطقية. وهي الاجتماعات الرباعية التي عقدت عبر مندوب أمني عن حزب الله والجيش والأهالي واليونيفيل. مع انه هناك جهة واحدة مسؤولة عن الجيش، الأهالي وحزب الله، وهؤلاء واحد ولا يجوز ان يكونوا ثلاثة، مسؤولة عنهم الحكومة لكن التلكؤ اظهر ارتباكاً كبيراً في المعالجة.

الحكومة لا تزال في حال ارتباك

الحكومة لم تكن متأخرة في معالجة ما حصل في الجنوب فقط، انما في معالجة الملفات العامة في البلد، والدليل ما حصل أخيراً في مطار بيروت، وطلب قائد جهاز امن المطار اعفاءه من مهامه؟

– ما حدث في المطار خطأ كبير، لكن احيي شجاعة العميد وفيق شقير، والذي أقدم على طلب اعفائه من مهامه وهو امر لم يسبقه عليه احد. ما حصل يمكن حدوثه، لكن لا يعبّر عن قدرة الحكومة او عدم قدرتها. فالحكومة حتى هذه اللحظة لا تزال في حالة ارتباك منذ تأليفها، ولم يظهر ان عجلة الحكومة تسير بشكل سليم، وهذا عائد الى ظروف تشكيلها التي لا توحي بأن هذه الحكومة قادرة على انجاز اي امر غير الاستقرار، اما الاصلاح والتنمية فهذه عناوين كبرى لم يأت وقتها بعد، لا اقول لن يأتي. هناك اربعة عناوين رئيسية سياسية كبرى غير التنمية، موجودة على طاولة الحكومة الحالية. الاول، العلاقات اللبنانية السورية وعودتها الى طبيعتها. الثاني، سلاح حزب الله والاستراتيجية الدفاعية. الثالث، السلاح الفلسطيني. الرابع، المحكمة الدولية والقرار الظني.

العنوان الوحيد الذي حصل فيه تقدم جدّي وسيظهر اكثر في المستقبل هو العلاقات اللبنانية – السورية، واعتقد سيكون هناك نتائج جدية من الزيارة التي سيقوم بها رئيس الوزراء سعد الحريري الى سوريا. فالرئيس الحريري لن يعيد مناقشة ما طرح سابقاً، وستكون الملفات الرئيسية بينه وبين الرئيس بشار الأسد.

المحاصصة أقوى من الجميع

لكن الحكومة تبدو مرتبكة ومقصّرة في موضوع التعيينات؟

– هذا ملف داخلي.

هل الملف الداخلي شائك الى هذا الحد؟

– نعم وأصعب لأن الشهوات لا تنتهي، فضلاً عن ان القواعد التي وضعت للتعيينات تؤكد على المحاصصة لا على آلية سليمة لانتاج التعيينات والآلية السليمة هي التي توصلنا الى التعيينات سريعاً. وهي آلية مجلس الخدمة المدنية وهي الآلية الطبيعية.

يقولون ان العقدة في التعيينات تكمن في تلك المتعلقة بالمراكز الأمنية؟

– ليس لديّ معلومات بهذه الدقة، لكن الخلاف على التشكيلات الأمنية جزء من الخلاف حول التعيينات ككل.

والموضوع كله مرتبط بالاطماع السياسية التي لا تخف ولا تأخذ بعين الاعتبار حاجة اللبنانيين وحاجة الادارة الى تعيينات سليمة. وهذه الاطماع لا يستثنى منها احد. وهي لا تخف بل تزيد.

هل تعتقد ان التعيينات ذاهبة الى وقت غير محدد قد لا يأتي؟

– لا اعتقد ذلك، والتعيينات واحدة من الملفات التي يمكن التفاهم عليها.

تكهنات واستنتاجات

هناك من يقول ان لبنان اذا تخلص من شبح الحرب الاسرائيلية في الصيف فسيقع اسير شبح المحكمة الدولية في الخريف، مع توقع صدور قرارها الظني في ظل الكلام والتحليلات عن تحييد سوريا وتوريط حزب الله.

– كل ما يقال هو تكهن واستنتاج ولا احد يملك المعلومات عن طبيعة القرار الظني والجهات المتهمة. ولا احد يستطيع القول انا اعرف. ونحن كفريق سياسي سلمنا منذ اللحظة الأولى بأن مرجعيتنا الوحيدة في ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والاغتيالات الأخرى، هي المحكمة الدولية. وهذا قرار نتخذه مرة واحدة ونستمر عليه الى حين صدور القرار. سعد الحريري رئيس حكومة كل اللبنانيين وبعد صدور القرار الظني سيتصرف بمسؤوليته عن كل اللبنانيين لمعالجة هذا الموضوع ومترتباته وليس لديّ مخاوف.

كلام سياسي غير واقعي

لكن هناك خوفاً من استخدام هذه المحكمة من قبل طرف دولي كورقة ضغط على اطراف اقليمية؟

– هذا كلام سياسي لا يستند الى اي واقع، وقيل منذ اللحظة الأولى لانشاء المحكمة وسيقال كل يوم. وكل ذلك يستند الى استنتاجات وتكهنات. قبل صدور القرار الظني لا احد يستطيع القول انه يعرف مضمونه مسبقاً. وبالتالي يهمني كيف ستتصرف الحكومة اللبنانية عند صدور القرار لا كيف سيتصرف المتهم. كمواطن مرجعيتي هي الحكومة اللبنانية، وكفريق سياسي مرجعيتي المحكمة الدولية، في مسألة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لأنه من دون هذه المحكمة ندخل في اتهامات وفتن داخلية عشناها طوال السنوات الخمس الماضية من دون الوصول الى نتيجة.

فليس امامي من خيار في مسألة الاغتيال الا ان تكون مرجعيتي المحكمة، مثلما انه لا خيار امامي في ان الاستقرار وتداعيات القرارهو من مسؤولية الحكومة.