“أكثرية” الجمرة و”أقليّة” النار ..

مقالات 06 نوفمبر 2006 0

لا يخطر ببال المستمع الى السفير السعودي الدكتور عبد العزيز خوجة، ضيفا على برنامج روافد الذي يقدمه الزميل أحمد الزين على شاشة العربية، لا يخطر بباله أن لقب الدكتور الممسك باسم السفير هو لقب علمي. بل يفترض من كثرة ذوبان الشاعر الدرويش في كلماته وشعره أن اللقب أدبي بامتياز الإحساس بما يقوله. يساعده على ذلك الزميل الزين تقديما وأسئلة وتصويرا رائعا.
الشاعر السفير دكتور في الكيمياء من الجامعات البريطانية. حاز شهادته نتيجة معادلة كيميائية اقترحها ونفذها حول مادة تستخدم في الصناعة ففرزها بين النشط منها الذي يُستعمل مرة واحدة، وبين الهادئ الممتزج بمادة صلبة فيمكن استعماله تكرارا مما يحقق وفرا في صناعات محددة.
كان ذلك بعد أن تدروش في أزقة مكة المكرمة وحاراتها متعلما على أيدي أساتذة الحرم المكي الأدبَ والشعر. حين وجد أنه لم يعد في ما يقرأه ويتعلمه تحدّ له. قرر التحدي في المجال الآخر، أي الكيمياء، فكان له ما أراد. أطلق عليه أستاذه الإنكليزي، لقب صاحب الأيادي الخضراء. إذ إن التركيبات الكيميائية المتمردة على زملائه تستسلم لصيغة مبتكرة من عقله.
عاد الى بلاده من بريطانيا ليدرّس في جامعتها، ثم عميدا لكلية العلوم فيها ووكيلا لرئيس الجامعة، إلى أن اختير وكيلا لوزارة الإعلام حيث اقترب من عقل الملك فهد، رحمه الله.
في العام ,84 عاد الى الجامعة بناء على طلبه وسعيا لهواه العيش بين طلابه ومعادلاته. وإذا باستدعاء ملكي يجعله سفيرا في موسكو مع انهيار الاتحاد السوفياتي، ثم سفيرا في تركيا مع الصعود السلمي للقوى الإسلامية المتجددة. لاطفه رئيس الوزراء أردوغان بالتركية عندما لمحه في السراي الكبيرة في عشاء أقامه الرئيس السنيورة على شرف ضيفه التركي فأجابه بألطف مما قال، وبالتركية أيضا. آخر السفارات التي عمل فيها قبل بيروت، كانت في المغرب حيث له من الذكريات والإصابات الروحية ما لم يُشفَ منها حتى الآن برغم مرور أقل من ثلاث سنوات على عمله في بيروت.
سكنته بيروت بدلا من أن يسكنها، فأصبح عاشقا لاستقرارها، متمسكا بهدوئها، شغوفا بنورها وإشعاعها. لذلك أعطته المدينة أحسن ما عندها، وهو كيمياؤها السياسية، فاستعاد علمه في المعادلات ووضع لنفسه معادلة من الحرية والاستقلال والسيادة، ما جعل قنبلة صوتية تقع على حديقة صغيرة مقابلة لباب منزله في الرملة البيضاء.
لم تذهب معادلته سُدى، بل رفّعه العاهل السعودي الى درجة متميزة في السلك الدبلوماسي السعودي، ليس اعترافا فقط بدماثة دبلوماسيته الى الحد الذي لا يجاريه فيه أحد، بل تأكيدا على أن القنبلة الصوتية لن تغيّر من مسؤولية السفير خوجة عن سياسة بلاده في لبنان.
فيلتمان كثير الحركة
السفير الأميركي في بيروت جيفري ديفيد فيلتمان كثير الحركة، صاخب الوجود، يتنقل بين من يرى ضرورة لمقابلتهم كأنه يعرف المدينة منذ عشرات السنين.
حين أقدمت السعودية على مبادرتها في كانون الأول/ديسمبر الماضي، المسماة المبادرة العربية، لم تستشر أياً من الدول الكبرى المعنية بالشأن اللبناني، وأُولاها الولايات المتحدة الأميركية. كان للسفير الأميركي في بيروت الفضل في إقناع قوى الرابع عشر من آذار، ومنها من هو صديق وعزيز على السعوديين، بالوقوف في وجه نجاح مسعى التوافق بين الأطراف اللبنانية.
يتحدث فيلتمان اللغة التي يحبها اللبنانيون، أي الفرنسية. يحدثهم بلغتهم العربية متى أراد، وإذا صادف من يعرف الهنغارية لا يجد صعوبة في التفاهم معه.
قراءة سيرته الذاتية تعطي الانطباع بأن لديه معرفة بالشؤون الاقتصادية، فقد عمل مسؤولاً عن تنسيق المساعدات الأميركية للدول الشيوعية السابقة لأوروبا الشرقية وأوروبا الوسطى.
أشرف على الشؤون الاقتصادية في قطاع غزة من سفارة بلاده في تل أبيب؛ ثم الى تونس حيث ترأس القسم الاقتصادي والسياسي؛ الى المنطقة الكردية من العراق حيث ترأس مكتب السلطة الموقتة للتحالف، وقبل ذلك عمل قنصلا في القدس ومساعدا للسفير مارتن إنديك لشؤون عملية السلام.
يمكن القول إن الظروف السياسية خدمت حركته في بيروت، فقد تسلم مهامه كسفير في لبنان مع إقرار مجلس الأمن الدولي القرار .1559 فكان لا بد من أن ينسب له الهمة والنشاط والاتصال والتخطيط والتحريض، على ذمة معارضيه. وذلك في واحد من أهم التغيرات التي حدثت في الشرق الأوسط، وهو خروج الجيش السوري بعد 30 سنة من الدور الأول الأمني والعسكري والسياسي في لبنان.
لم يكن ينقصه في ذلك الزمان إلا المشاركة اليومية في التجمعات الشعبية الضخمة في ساحة الشهداء للقوى اللبنانية التي انتفضت اعتراضا على اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط في السنة الماضية.
برغم ذلك، فإنه من الظلم بمكان إعطاؤه دورا أساسيا في ما كان يحدث في تلك الأيام. الظلم لغيره من اللبنانيين طبعا وليس له.
مفترق السفيران
يقف السفيران. الأول درويش يداه خضراوان، على حد تعبير أستاذه البريطاني. والثاني الصاخب الوجود الكثير الحركة. يقف السفيران السعودي والأميركي على مفترق طرق الاجتماع التشاوري الذي دعا إليه الرئيس نبيه بري ويفترض أن يحضره كل من دُعي إليه ما عدا السيد حسن نصر الله، لأسباب أمنية.
عنوانا الاجتماع، كما حددهما الرئيس بري، هما: الحكومة الوطنية الموسعة التي تعطي ل حزب الله الثلث المعطل وللعماد ميشال عون حقه في التمثيل المسيحي داخل الحكومة؛ والعناوين الأساسية لقانون الانتخابات النيابية المقبلة.
فهل يلتقي السفيران أم يفترقان مع من يمثلان قبل أن يتوصلا الى تسوية سياسية تحفظ الأمن والاستقرار اللذين تعلن دولة كل منهما رغبتها في ضمان استقرار الوضع في لبنان؟
السعودية لا تستعجل الدور وإن كانت تريد نتائجه. فالمسؤولون السعوديون يؤكدون خطورة الوضع اللبناني ويتمنون لو أن الاستقرار يستمر من دون تدخلهم أو تدخل غيرهم.
السفير خوجة يتجاوز مسألة العلاقات السعودية السورية التي تمر في مرحلة من التأزم لم تجد بعد من يتوسط فيها ولم يكتشف الرئيس السوري ما يلزمه بتصحيح أو حتى بتجميل ما قاله في خطابه الأخير عن أنصاف الرجال وأنصاف المواقف.
يصر السفير السعودي على أن سياسة بلاده في لبنان قائمة على الانفتاح على جميع الأطراف من دون استثناء، ما يعفيه من مسؤولية الصورة السعودية التي يظهر فيها بين الحين والآخر سعد الحريري، رئيس كتلة نواب المستقبل.
هذا ما جعل أبواب السعودية مشرّعة أمام العماد ميشال عون الذي وُجهت إليه دعوة رسمية لزيارتها. وهذا ما أكد على استمرار التشاور بين الأمين العام ل حزب الله والسفير السعودي في اللقاء الذي جمعهما مؤخراً الآن.
لا شك في أن هذا الاجتماع أشاع جواً من التفاؤل عن استعداد سعودي للتدخل ما بين الأطراف المشتبكة على قاعدة التفهم لمطلب توسيع الحكومة.
إلا أن السفير السعودي يتصرف على قاعدة لا يُلدغ مؤمن من جحر مرتين ، ويصرّح بأن لا مبادرة سعودية بل رغبة بالتوافق بين الأطراف المعنية، فقط لا غير.
يعلم السفير السعودي أن الكرة اللبنانية ستدور وتعود إليه. لذلك فهو لا يبدي استغرابه لمطلب توسيع الحكومة وإن كان يتفهم حاجة الآخرين الى إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي المخصصة لعملية اغتيال الرئيس الحريري.
اتصالات الحريري
غير أن هذا التصور لم يمنع اتصال سعد الحريري من باريس بوزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل مستوضحا ومستفسرا وربما مستهجنا ما يقال عن دور سعودي لصالح مطلب حزب الله في الموضوع الحكومي.
لم يسمع الحريري إلا نفياً لوجود أي مبادرة من الجانب السعودي. فما كان منه إلا الاتصال بالسفير خوجة في بيروت متسائلا، بود ولطف، عن آخر أخبار ما يقال عن المبادرة السعودية. بالطبع سمع الجواب نفسه.
لكن ما جرى من كلام بين السفير خوجة ووزيره بعد مكالمتي الحريري حول التطورات اللبنانية لا يفصح عنه السفير ولا يعرفه أحد، وخاصة الحريري.
لا يأخذ السفير خوجة على عاتقه مسؤولية ما تبثه وسائل إعلام الحريري، ويؤكد عدم معرفته المسبقة أو اللاحقة برسالة السيد عبد الحليم خدام التي بثها تلفزيون المستقبل أول أيام العيد.
المهم أن الاجتماع الأخير للسفير خوجة بالسيد نصر الله كان فعالاً وعميقاً، بحيث إن العتاب الشديد الذي تخلل بداياته لم يمنع من تناول العلاقات السعودية السورية بعد ذلك وإظهار السيد نصر الله نظرته لهذه العلاقات وضرورتها للاستقرار العربي واللبناني.
يتصرف السفير السعودي بهدوء المنتظِر لمن يأتي إليه طالبا المبادرة، خاصة من الرافضين لها أو المتخوفين منها. إذ إنه يعلم كما يعلم غيره أن الانتشار السياسي الوحيد على مساحة الفرقاء اللبنانيين هو السعودية فقط، لذلك فهي تعلم أن المبادرة ستسعى إليها لا العكس.
هذا مع العلم بأن هذا الافتراض يأخذ في حساباته القوى المفترض أنها صديقة للسياسة السعودية أو محسوبة عليها. فالخطر عندما يظهر يطال الجميع، والعلاج عندما يصبح ضرورة يريده الجميع أيضا.
أوراق السفير الأميركي
السفير الأميركي يمسك بيده ورقتين يراجعهما قبل أن يذهب لمقابلة الرئيس بري أو السفير السعودي.
الورقة الأولى هي القرار ,1701 فيطمئن الى أن عدد قوات الطوارئ الدولية بلغ أقل بقليل من عشرة آلاف جندي دولي لحفظ الأمن على الحدود اللبنانية الإسرائيلية. لكنه لا يستطيع أن يطمئن من يسأله عن سبب استمرار الطلعات الجوية الإسرائيلية على الرغم من الاعتراض الألماني والفرنسي والأميركي للمرة الأولى، برغم عدم مشاركة قوات أميركية في قوات الطوارئ. فإذا كانت الإدارة الأميركية لا تستطيع وقف الطلعات برغم العروض الأوروبية بتزويد إسرائيل صوراً جوية، فكيف لها أن تتقدم في سياستها في لبنان؟
الورقة الثانية التي يحملها هي بيان البيت الأبيض الأميركي الذي يحذر من تحالف سوري إيراني يريد تقويض السلطة في لبنان الممثلة بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة.
البيان جاء ردا على تحديد السيد نصر الله موعدا للتظاهر بعد أسبوع من الجلسة الأولى للتشاور في حال لم يتم التوصل الى اتفاق مع قيادات الرابع عشر من آذار وبعد حملة جارفة على الرئيس السنيورة ليس فيها من الحقائق إلا قائلها.
يخرج السفير فيلتمان من لقائه مع الرئيس بري مادحا ومحملا بري أثقال الاستقرار والطمأنينة والأمان ومنتظرا منه ما لا يقدر عليه أحد في لبنان.
يذهب الى السفير السعودي ليسمع منه الموقف التقليدي بالرغبة في الاستقرار. ولا يفاجأ عندما يجد أنه وزميله يحرصان على الرئيس السنيورة ويطمئنان لطريقته في إدارة البلاد.
يعود السفير فيلتمان الى مكتبه ليجد على طاولته العدد الجديد من مجلة فورين أفيرز الأكثر رصانة في نشر الدراسات السياسية، وعلى غلافها تعليقات بعنوان واحد السقوط من لبنان .
الغلاف الداخلي للمجلة يحمل صورة علم حزب الله في الثالث عشر من تموز الماضي مرفوعا في النبطية.
العصر الجديد
ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية المعلّق الأكثر شهرة في مجاله. يقول في بداية تعليقه ان الاستعجال في إيجاد شرق أوسط جديد سيسبب ضررا كبيرا للولايات المتحدة والعالم.
وينقل عن المؤرخ ألبرت حوراني الذي شهد أزمة قناة السويس في العام 56 قوله ان من يحكم الشرق الأدنى، يحكم العالم. ومن له مصالح في العالم عليه ان يكون مرتبطا بالشرق الأدنى .
ثم يشرح ان ما أوصل السياسة الأميركية الى نهاية عصرها خلال أقل من عقدين عدد من العوامل بعضها بنيوي والآخر نشأ بفعل السياسة نفسها. أهمها قرار إدارة الرئيس بوش بالهجوم على العراق واحتلاله في العام .2003 إن ذاكرة السنوات الأخيرة قائمة على المسلمين المعذبين في غزة. المسجونين في العراق. والآن لبنان .
هذا لا يعني أن الولايات المتحدة ستكون دون نفوذ، بل هي الأولى من الدول خارج المنطقة، لكنه أقل مما كان في أي يوم من الأيام. هذا سيفتح الباب أمام عصر تشترك فيه القوى المحلية مع القوى الخارجية الذي سيضعف بطبيعته من قوة أميركا وخياراتها السياسية .
الأستاذ الجامعي اللبناني بول سالم كتب ان السياسة الأميركية وقفت عاجزة أمام الحرب الإسرائيلية على لبنان والتي جرّت الرأي العام العربي والمسلم المعارض لها وأضعفت بطبيعة الحال لبنان غير المتماسك .
المعلق الإسرائيلي الأشهر زئيف شيف كتب ان عنف الهزة التي حدثت في إسرائيل سببها ان ثلاثة منها حديثي العهد وغير مطلعين عسكريا رئيس الحكومة ايهود أولمرت ووزير الدفاع عمير بيرتس ووزيرة الخارجية تسيفي ليفني. طارحا السؤال الأهم من وجهة نظره: هل تقلّص تأثير القوة العسكرية الإسرائيلية؟
فولكر برتس رئيس المؤسسة الالمانية للدراسات الدولية والأمنية تولى الجانب السوري من الموضوع مستخلصا ان استبعاد سوريا لن يحفظ استقرار لبنان فضلا عن المصالح الأميركية والأوروبية في المنطقة.
ادوارد دجيردجيان السفير الأميركي السابق في سوريا وإسرائيل ورئيس مؤسسة جيمس بيكر للسياسة العامة يتساءل في مقاله عن إدارة الصراع أو إدارة الحل. ويطالب بالعودة الى النتائج التي توصلت اليها المحادثات في عهدي الرئيس بوش الأب والرئيس كلينتون التي حققت حلولا جدية للأرض والسلام والأمن والمياه في منطقة الشرق الأوسط.
لا يجد السفير فيلتمان جوابا على أسئلته في ما قرا، ولا دعما لحركته في ما يفعل. لكنه مضطر لالتزام سياسة إدارته الرسمية التي تنتظر غدا الانتخابات النصفية للكونغرس.
روسية المحكمة الدولية
ينظر السفير الاميركي الى الجانب الآخر من طاولته فيجد برقية عن التحفظات الروسية على شكل المحكمة ذات الطابع الدولي المعنية باغتيال الرئيس الحريري فيجد أن البنود المقترح تعديلها تلغي شكل المحكمة ودورها، وان الأمر يحتاج الى تسوية سياسية، فهل تستطيع إدارته القيام بها؟
تتصرف موسكو على ان السياسات الغربية حيالها، خصوصا الانتقادات المتواصلة والضغوط المفروضة عليها التي تزامنت مع تحركات فضائية تتجاهل مصالح الروس الحيوية، فضلا عن خط النفط الذي افتتح في تموز يوليو الماضي من الدول المحيطة ببحر قزوين الى الشاطئ التركي من البحر المتوسط، والقدرة الأولية لهذا الخط هي مليون برميل يوميا، دون الأخذ في الاعتبار النفوذ التقليدي الروسي في هذه الدول. قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان باستطاعة بلاده اللعب على هزائم السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط للعودة الى التوسع في علاقات بلاده، بعد أن أوجد استقرارا داخليا ومعدلات نمو متصاعدة وسدد الجزء الأكبر من ديون بلاده الخارجية بسبب ارتفاع أسعار النفط.
الرئيس السنيورة اتصل مرات عدة بالرئيس الروسي وبالرئيس الفرنسي مستفسرا حول إمكانية تعديل أو تجاوز التعديلات الروسية على نظام إنشاء المحكمة الدولية. ولم يحصل على جواب ايجابي حتى الآن. المقالات الدراسات الخمس الواردة في مجلة فورين أفيرز تتحدث عن سوريا وايران اللتين تربطهما بروسيا علاقات وثيقة في كل صفحاتها مقرّة بوجودهما ونفوذهما. فماذا يفعل السفير الأميركي في بيروت وإدارته منقطعة مواجهة للبلدين؟
الجواب ليس على طاولة التشاور اليوم. إذ ان البند الغائب عن الطاولة هو الأهم. هناك حرب حدثت في لبنان. فريق يقول انه انتصر فيها ويريد ان يستثمر هذا الانتصار في الداخل. وفريق آخر لا يعترف بالحرب وان اعترف فهي بالنسبة له عبارة عن خسائر تدين من تسبب بها.
لكل منهما محور شاء أم أبى. تجاهل أو اعترف. فلمَ لا يتم التشاور حول هذه النقطة لإيجاد صيغة طبيعية تأخذ بعين الاعتبار الخصوصية اللبنانية في الحروب ونتائجها؟
سيبدو هذا الكلام مكررا، لكن تكراره لا يغير من حقائقه. لا يحتمل لبنان سياسة محاور وليس بإمكان أي طرف فيه الاستفادة حتى على المدى المتوسط من الأرباح التي يعتقد انه حققها في غفلة من الانتخابات النيابية.
هل يعقل أن تحدث حرب بحجم التي حدثت في لبنان في تموز يوليو الماضي ولا تجد طاولة نقاش مسؤولة حولها؟ ثم نفاجأ بأن الطرف الذي خاض الحرب يريد النزول الى الشارع؟
صحيح أن لا مكان للانقلاب في لبنان وإلا لكانت حدثت عشرات الانقلابات أو واحد على الأقل. لكن تمسك الأكثرية بما لا تملك فعلا ومطالبة الأقلية بما لا تستحق فعلا لا يبنى عليهما تشاور.
في الأصول الديموقراطية ان الأكثرية السياسية تأخذ بعين الاعتبار دائما هموم الأقلية السياسية وهواجسها. فكيف بلبنان حيث القابض على الأكثرية كالقابض على الجمر والساعي الى التغيير بالشدّة كالساعي الى النار؟ الخيار الآخر هو انتظار الاجابة على الأسئلة الواردة في مجلة فورين أفيرز . من لديه الزمن للانتظار؟