أســــــطورة أمــــــــراء ونــــــــــزلاء الخمس نجوم في سجن رومية!

قالـوا عنه 23 يناير 2015 0

بعد سنوات من الانتظار عادت الدولة لتفرض سيطرتها من جديد على سجن رومية بعد عملية نوعية نفذتها وحدة من قوات النخبة في فرع المعلومات أفضت الى إعادة الوضع الى طبيعته وهو الأمر الذي ترك تساؤلات كثيرة حول المانع الذي كان يحول دون سيطرة القوى الأمنية على المبنى “ب” الذي كان يضم مجموعات من المجرمين والإرهابيين؟.
بعد أقل من شهر على بدء الحوار بين حزب الله وتيار “المستقبل” جاء القرار بإنهاء اسطورة سجن رومية وتحديداً المبنى “ب” بعدما سيطرت عليه مجموعات اسلامية متشددة او ما يُعرف بالمسجونين الاسلاميين لسنوات طويلة وتحديداً منذ حرب مخيم نهر البارد وهي من أكبر وأشرس المعارك التي خاضها الجيش حيث سقط له فيها 168 شهيداً بينهم 14 ضابطاً ليبلغ عدد الموقوفين بعدها من تنظيم “فتح الاسلام” 202 إرهابي، ولكن بدل ان تقدم الدولة اللبنانية على محاكمتهم وفق للأصول المتبعة بحسب شرعة القوانين الدولية أبقت عليهم لغاية اليوم من دون محاكمة الى ان أصبحوا ورقة تفاوض بيد الجماعات الإرهابية يتحكمون من خلالها بمصير ورقاب عسكريين مخطوفين منذ أكثر من خمسة أشهر وإبقاء أهاليهم رهن الطلب على الطرقات مرة تكويهم نيران شمس حارقة ومرات يخترق الصقيع والبرد عظامهم.
نعم فعلها المشنوق
يُسجل لوزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أنه الوحيد الذي تمكن من بين أسلافه من إنهاء إمارة أو أسطورة سجن رومية وذلك على اثر اكتشاف ارتباط وثيق بين منفذي التفجير الانتحاري في جبل محسن بطرابلس وسجناء إسلاميين من داخل السجن، حيث كان يدير هؤلاء عمليات إرهابية خارج أسوار السجن وذلك من خلال غرفة عمليات ضخمة تضم أجهزة ووسائل اتصالات متطورة. ومن المعروف ان هذا الإنجاز ما كان ليحصل لولا ان اتفاقاً سياسياً عريضاً جرى التصديق عليه بين الافرقاء السياسيين على رأسهم تيار “المستقبل” وحزب الله خصوصاً وان هناك دولاً اقليمية وجماعات مسلحة لها ارتباطات واسعة بعدد من الموقوفين كانت وما زالت تتحكم الى حد ما بمفاصل ملف المسجونين الاسلاميين اذ ان بينهم سوريين وفلسطينيين وعدداً غير قليل من دول عربية لها علاقة بالملفين اللبناني والسوري.
رومية.. أمراء ونزلاء خمس نجوم
سجن رومية هو أحد أكبر السجون في لبنان على الاطلاق وقد تم الانتهاء من عملية بنائه في اواخر العام  1960 زمن الرئيس فؤاد شهاب، وقد بني على أساس استيعاب ألف وخمسمائة سجين فقط، لكن وبفعل التوقيفات الدائمة في ظل عدم إخضاع السجناء لمحاكمات عاجلة وعادلة إضافة الى أسباب أخرى تتعلق بعدم وجود سجون أخرى آمنة الى حدٍ ما، تضاعف عدد السجناء في رومية حيث وصل الى ما يقارب التسعة آلاف سجين في الفترة الاخيرة. وهذا الاكتظاظ بعدد السجناء سمح بحالة التدهور التي وصل اليها هذا السجن بعدما أصبح المال بيد السجناء الحاكم الاول والآمر الناهي في أي عملية تهريب تتم من خارج السجن الى الداخل، سواء المخدرات او نوعية الطعام مروراً بالهواتف الخلوية وصولاً الى ما كشفته عملية الدهم الاخيرة من وسائل اتصالات حديثة وتلفزيونات وبرادات وغسالات ومعدات ووسائل ترفيهية لدرجة ان عدداً من السجناء تحوّلوا من موقوفين يقضون فترة عقوباتهم في سجون المفروض انها للإصلاح الى نزلاء في فنادق خمس نجوم. والأنكى من ذلك ان الرجل الواحد من بين هؤلاء الإرهابيين أصبح لديه خدم وحراس يسهرون على راحته ويلبون طلباته بعدما نصب كل منهم نفسه اميراً على جماعة محددة.
على من تقع المسؤولية؟
مصادر أمنية بارزة اضافة الى مسؤولين سياسيين يؤكدون ان الموقوفين الاسلاميين كانوا قادرين نتيجة الفساد السائد في مؤسسات الدولة والنقص في عناصر الامن واستخدام بعض رجال الدين والسياسة نفوذهم للضغط على القيمين على السجن ان يدخلوا الى زنزاناتهم، كل ما يتمنونه بدءاً من هواتف نقالة وأجهزة كومبيوتر وصولاً الى الغرف المتطورة التي رأيناها جميعنا على شاشات التلفزة وهذا الأمر لم يكن سراً على الدولة وأجهزتها، خصوصاً وان وسائل الاعلام في لبنان كانت تتسابق في ما بينها لإجراء أحاديث عبر الهاتف مع سجناء من داخل رومية. وهذا ما تؤكده التحقيقات السابقة التي كانت أجريت مع عدد من العناصر والضباط في السجن على خلفية تسهيلهم إدخال ممنوعات الى داخل السجون مقابل مبالغ مالية وصلت في بعض الاحيان الى العشرين ألف دولار.
ومن وجهة نظر أخرى متابعة لهذا الملف فإن إطلاق صفة الإسلاميين على من شارك في عمليات إرهابية ضد الجيش اللبناني والقوى الأمنية شكل بداية للمشكلة إذ ان هذا الوضع منحهم  غطاء سياسياً كانوا يريدونه من أجل أخذ حريتهم في العمل، وبعد ذلك كانت “المماطلة” في محاكمتهم سبباً إضافياً في تفاقم الأزمة بالرغم من تأكيد العديد من السياسيين أن بعضهم قد يكون “مظلوماً”، كون التهمة الموقوف بسببها عقوبتها أقصر من مدة التوقيف التي خضع لها عدد كبير من السجناء، ومن دون ان ننسى الخطأ الاكبر وهو تحويل هذا الملف الى مادة تجاذب سياسي وصلت الى حد إخراج أحد الموقوفين شادي المولوي بسيارة تابعة لإحدى المرجعيات السياسية السابقة والذي أصبح المطلوب الأبرز في قضايا إرهابية آخرها ما حكي عن ارتباط وثيق بينه وبين انتحاريي جبل محسن.

ما هو المبنى “ب”؟
المبنى “ب” في سجن رومية أشهر من ان يعرف. صيته يسبقه لما شهده من احداث أمنية متعددة كعمليات الفرار المتكررة وعمليات القتل في داخله التي بقيت مبهمة لغاية اليوم ونظراً لتحوّله من طابق في سجن الى غرفة عمليات أمنية ليعرف لاحقاً بالإمارة “ب” في سجن رومية. يتألف المبنى “ب” من ثلاثة طوابق: يتضمن الاول والثاني منه موقوفين من متهمين بقضايا مختلفة، فيما موقوفو الطابق الثالث هم من الاسلاميين المتشددين المتهمين بقضايا إرهاب واعتداء على أمن الدولة يترواح عددهم بين 270 و300 سجين من مختلف البلدان العربية والاجنبية موزعين بين موقوفين من “فتح الاسلام” و”جبهة النصرة” ومجموعات متطرفة وآخرين متهمين بحمل سلاح وإطلاق نار على الجيش والقوى الأمنية، كذلك موقوفين في أحداث صيدا ومن طرابلس.
ومع تكاثر أعدادهم قام السجناء الاسلاميون بانتفاضة في العام 2009 حوّلوا فيه الطابق الثالث الى غرفة واحدة بعدما أزالوا جميع الأبواب حتى وصلت بهم الأمور الى منع القوى الأمنية من دخول الطابق الذي حوّلوه الى معقل لإصدار أحكامهم. وهكذا تحول المبنى “ب” الى مركز قيادة لعمليات إرهابية تصدر منه الأوامر للمجموعات التي تنضوي في إطار التنظيمات المتطرفة، وذلك من خلال وسائل الاتصال التي عملوا على تأمينها كخطوة أولى وأساسية لتثبيت إمارتهم الخاصة.
قصص حصلت في المبنى “ب”
أحد الذين تمكنوا من دخول الطابق الثالث في المبنى “ب” بعد عملية إخلائه عاد بمشاهد لا يتخيلها عقل بشر، خصوصاً وان هذه الطبقة خضعت لأحكام وفتاوى صادرة عن أشخاص يفترض انهم مسلمون في الدين والعقيدة. إذ يروي أحد الشهود العيان الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب خاصة انه رأى بأم العين مكاناً خاصاً لتزيين الشعر والحلاقة في داخله جميع الادوات والآلات التي تستعمل في صالونات التزيين. لكن ما أذهله وجود أنواع من الشعر المستعار الطويل وبألوان عديدة، إضافة الى العديد من علب الواقي الذكري وأحذية نسائية وثياب للرقص إضافة الى العديد من الأدوية المتنوعة وحبوب الهلوسة. ويؤكد الشاهد أن بعض رجال الأمن في السجن والمحققين الذين حضروا على الفور أجمعوا على ان أعمالاً منافية للآداب العامة كانت تجري داخل السجن منها حالات اغتصاب جماعية وان بعض هؤلاء الموقوفين قد أصدر فتاوى خاصة به تبيح له ممارسة اللواط مع من هم أدنى رتبة منه. وفي محاولة منهم لإخفاء كل ما له علاقة بالنوافر التي كانوا يرتكبونها، أقدم هؤلاء الموقوفون على إحراق العديد من أغراضهم الخاصة بعدما أيقنوا ان الوضع برمته قد خرج عن سيطرتهم وبات تحت سيطرة القوى الأمنية.
و”النصرة” تدخل على خط التهديدات
أهالي العسكريين المخطوفين، بعد سماعهم نبأ ما يحصل في سجن رومية عمدوا الى قطع الطرق ليتبين ان تحركهم هذا جاء نتيجة تهديد “جبهة النصرة” في بيان قالت فيه: نتيجة التدهور الأمني الحاصل في لبنان نتوعدكم بمفاجآت تتعلق بمصير أسرى الحرب لدينا. وفي وقت لاحق، نشر موقع مراسل القلمون صورة تظهر العسكريين المخطوفين لدى “النصرة” وهم على الثلج والأسلحة موجهة نحوهم تحت عنوان “من سيدفع الثمن؟”. الى ذلك نقلت مصادر إعلامية لبنانية عن مصدر إعلامي من “جبهة النصرة” حديثاً توجه فيه إلى أهالي العسكريين المختطفين بالقول: هل المطلوب منا تصفية أبنائكم؟ لا تلومونا إن بدأنا بتغيير أسلوبنا مع العسكريين وهل نعتبر أن تصرف حكومتكم اللامبالي هو بمنزلة استفزاز لنا لنذبح أبناءكم؟

والمشنوق يزور السجن بعد العملية
بعد أقل من ساعة على وضع حد لأسطورة سجن رومية، حيث قام المشنوق بزيارة للسجن للاطلاع ميدانياً على واقع الحال داخل المبنى “ب” ولتفقد حجم الاضرار التي تعرض لها نتيجة الحريق الذي لحق به والتخريب في أثاثه من قبل السجناء فضلاً عن الحاجات المطلوبة من النواحي كافة ليقول بعدها: <جئت كي أرى المبنى وكيف يمكن ان يعود السجن سجناً انسانياً في الحد الادنى من المتطلبات الطبيعية للبشر بأسرع وقت ممكن، بعدما تم نقل المساجين الى مبنى أفضل من هذا المبنى،  وما من سلاح في السجن نهائياً والأسطورة كلها كانت غير صحيح”. وتابع قوله “لقد تم الاتفاق مع وزير المال علي حسن خليل في مجلس الوزراء لتأمين مبلغ 30  مليون دولار أميركي من الميزانية العامة على ان يتولى هو تأمين مبلغ مماثل من التبرعات من القطاعات الحكومية وغير الحكومية المحلية والعربية والدولية، وذلك لبناء سجن جديد”.
دور الوزير شربل في ما جرى
يقال إن نقل السجناء من المبنى “ب” الى المبنى “د” هي خطة كان قد أعدها وزير الداخلية السابق مروان شربل منذ ثلاثة أعوام، لكن سوء ترميم المبنى حال يومئذٍ دون تطبيقها إضافة إلى سوء العلاقات السياسية بين طرفي النزاع السياسي في البلد. وهنا يقول شربل ان الأمن في لبنان أمن سياسي بامتياز، وعندما كنت وزيراً قمنا بإخلاء المبنى “د” تمهيداً لإعادة ترميمه، وقرار الإخلاء كان متوافقاً عليه من قبل رئيسي الجمهورية والحكومة يومذاك. معتبراً ان الفرق بين الحكومتين السابقة والحالية هو ان الاولى كانت ذات لون واحد على عكس الثانية التي فيها من الطرفين. اما في ما خص الاتصالات المسهلة للسجناء من داخل سجنهم يلفت شربل الى انه كان على علم ان المساجين كانوا يملكون هواتف ويجرون الاتصالات المحلية قبل الأحداث السورية لكنه لم يمنعهم لأن الأجهزة الأمنية كانت تستفيد من هذه الاتصالات التي بفضلها تم القبض على شبكات تهريب مخدرات من خلال عمليات الرصد.
من هم أمراء “النصرة”؟
من المعروف ان للجماعات الإرهابية أمراء في لبنان يصدرون الأوامر ويديرون العمليات الإرهابية ويقفون وراء تجنيد العديد من الشبان إضافة الى تأمين المعدات اللازمة من متفجيرات وأسلحة ونقل الاموال من مكان الى آخر. ومن أبرز هؤلاء جمال دفتردار الذي أوقفته استخبارات الجيش مطلع العام الماضي والذي اعترف أنه مسؤول شرعي (منظّر عقائدي) لدى تنظيم “كتائب عبد الله عزام” في لبنان وكان أحد أبرز مساعدي الإرهابي ماجد الماجد.
نعيم عباس المعروف بأبو اسماعيل متورط بإطلاق صواريخ على الضاحية الجنوبية لبيروت وبإدخال سيارة مفخخة الى بئر العبد ونقل انتحاريي الشارع العريض والرويس. عمر الأطرش ناقل السيارات المفخخة وموفّر اللوحات المزورة ونقل المسلحين بين سوريا ولبنان.
بلال خضر إبراهيم المعروف بأبو عبيدة من سجناء “فتح الإسلام” وقد اشتهر بإدارة شؤون طابق الإسلاميين وأدعي عليه بجرم قتل أحد السجناء وكان المسؤول عن لجنة الأمر بالمعروف.
أبو تراب قلة كانوا يعرفون اسمه الحقيقي وكان ينشط إلى جانب أبو عبيدة في مهمة المطاوعة داخل السجن. هو يمني اسمه الحقيقي سليم صالح، اشتهر بعنفه الحاد تجاه سائر السجناء، وكذلك ادّعي عليه بتهمة قتل أحدهم كنوع من القصاص الشرعي.
أبو الوليد الناطق الاعلامي والأمير داخل السجن وكان المخول الأبرز بالتفاوض عن الاسلاميين مع السلطة، اسمه الحقيقي محمد يوسف.

أبــــو ســــليم طــــه صاحب الاســم البارز ضمن الجماعات الإرهابية والمحكوم عليه بالإعدام اسمه الحقيقي محمد صالح زواوي، وكان دوره اضافة إلى عمله الميداني حض العناصر التابعين لـ”فتح الاسلام” على القتل والتفجير والنهب ومحاربة الجيش وإضعاف الدولة.
حسام الصباغ أحد أبرز الوجوه في طرابلس المعروف بـالحاج أبو الحسن. اقترن اسمه بتنظيم “القاعدة” وادعي أنه أميرها في الشمال، علماً ان التحقيقات الأمنية لم تُثبت شيئاً ضده في هذا الخصوص، ورغم اقتران اسمه بقيادة مجموعة كبيرة من المسلحين الإرهابيين، إلا أنه أُوقف على حاجز للجيش اللبناني من دون أن تُثار أي ردود فعل حول عملية توقيفه.
نظرة من خارج أسوار السجن
بعد الانتهاء من العملية كلها، وبعد أن زار المشنوق أرض المعركة التي انتهت ببسط الدولة سيطرتها عليها، هناك من وقف خارج أسوار السجن يسترجع ذكريات مؤلمة كانت حصلت في داخله. فمن داخل هذا السجن خرجت أحكام عن أمراء بالجلد بحق سجناء وبعزلة آخرين، كما فرضت الجزية على البعض الآخر. ومن داخل المبنى ب ” تحديداً وقع الحد بالقتل شنقاً على السجينين غسان القندفلي ونور العرب على أيدي سجناء إنفاذاً لحكم شرعي أصدره أحد أمراء الموت