أبــو رامــي البيروتــي…

مقالات 16 مارس 2007 0

قرأت منذ اربعين يوماً حتى الساعة عشرات المقالات والشهادات عن رفعت النمر المصرفي اللبناني من اصل فلسطيني. كانت وفاة أبو رامي رحمه الله مناسبة لاصدقائه ومحبيه ومريديه ان يغرقوه بمحبتهم وتقديرهم وكشف كل ما حرص أبو رامي على ستره في عمله من خير وتعاطف وحرص، لمحتاج او لضعيف او لمأزوم. إلا ان كل الذين كتبوا او تحدثوا صادقين في عاطفتهم لم ينتبهوا انهم أخذوا شخصية “أبو رامي” الى مكان بعيد جداً من التأثير والقدرة والدور، وهو ما لم يرده وإلا لكانت حياته اتخذت منحى آخر غير الذي اختاره لعشرات السنين.
لو أراد “أبو رامي” ان يكون كما وصفوه لذهب في اتجاه العمل السياسي الفلسطيني منذ زمن طويل. لكنه اختار صفة المراقب والمتابع الدؤوب محتفظا لنفسه بابتسامة الهازئ من كل ما يجري حوله، والعامل المتفرغ على بناء مؤسسة مالية تحمي سمعته المهنية.
تجنَّب كل الذين كتبوا او تحدثوا الاشارة الى ان “أبو رامي” عاش في بيروت وصنع لنفسه موقعاً مصرفياً لبنانياً، وحصل على الجنسية اللبنانية مع اولاده ايمانا بما اعطته له بيروت وما منحه اهلها من محبة وأمان واستقرار.
لم يكن راغبا ولا قادرا على التنكّر لكل هذا الخير من هذه المدينة التي شهدت تقدمه المصرفي وشهدت قبل ذلك وبعده اولاده واحفاده يكبرون امامه ويعتزون بمدينتهم.
اختار أبو رامي الانتماء الإنساني الى لبنانيته مبتعداً عن وحولها السياسية. فحافظ بذلك على مبتغاه وهدفه في فلسطين. كان يذهب بعد ظهر كل يوم في سيارة يختار تواضعها قبل ان يختارها الى زبائنه الصغار من البيارته الذين قرر ان يكونوا اصدقاءه. الاول صاحب دكان والثاني بائع قماش والثالث في دار نشر صغيرة تكبر. لا يجمع بينهم إلا بيروتيتهم وصداقة “أبو رامي” لهم. يطمئن على احوالهم اطمئنان المحب. يسأل عن ايامهم سؤال الراغب في استقرارهم.
لا تشعر عندما تراه انك تتعامل مع مصرفي بل مع مواطن في “جمهورية رأس بيروت” يهتم لاحوال أهلها ولضمان استمرارهم على قيد الحياة اقتصادياً.
لم يترك أبو رامي مناسبة او واجباً اجتماعياً او محاضرة او معرضا إلا وحضر شخصيا ممثلاً لنفسه طبعاً “ولنجله رامي المشغول بالعولمة” باعتباره مواطناً بيروتياً يفرح لأفراح أهل المدينة وينشغل بأوجاعهم. لا ينتقص هذا من عروبته ومعه الكثير من البيارته ولا من مبتغاه في فلسطين ومعه الكثير من العرب. بل يؤكد في تصرفه هذا انتماءه الإنساني واعترافه بجميل مدينته ومحيطه وبيئته البيروتية عليه. رغم انه مثل كل المؤسسين الكبار المهاجرين من فلسطين لا يعطي الاجتماعيات دوراً في حياته إلا عند الضرورة القصوى. تجسدت هذه الضرورة القصوى في “بيروتيته” التي غابت عن الكلمات والشهادات في رواية حكاية حياته نجاحاً وخيبة مثل كل المؤسسين.
رأيته مرة ينتظر سيارته مواجها باب مبنى منزله قرب الجامعة اللبنانية الاميركية. كان يحادث بائع الخضار. ليسأله عن اسعارها. مصادرها. اخبار عمله. اوضاع أهله. يختار ما يريد لمنزله بيده. ضاحكا وهو يلاقي قدومي عليه للسلام. كانت على وجهه ابتسامة الانتماء الى الحي الذي هو جزء من جمهورية رأس بيروت التي انتمى إليها وعاش فيها واحبها.
تجنبت لأسابيع الخوض في الكتابة عن رفعت النمر ما دام بحر من اصدقائه ومحبيه كتبوا وشهدوا. لكنني وجدت نفسي ملزماً برد حقه إليه حين أراد ان يكون أبو رامي البيروتي.