آخر الحروب اللبنانية الاسرائيلية؟ ( 4\4 )

مقالات 25 سبتمبر 2006 0

تحدث الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عشر مرات منذ بداية الحرب في الثاني عشر من شهر تموز الماضي.
في ستة من أحاديثه بدا انه يقدم الى اللبنانيين والعرب الذين يستمعون اليه تقريرا عسكريا وسياسيا هادئا عن تقدم العمليات العسكرية على الجبهة مع إسرائيل والاشتباكات السياسية الداخلية على الجبهة اللبنانية وبعض الاحيان العربية وإنما بمنتهى الهدوء والروية والتمعّن والإدراك.
أشاع في رسائله الست قدرته على استعمال أكبر مخزون ممكن من سكينته الداخلية، ظهر وكأنه أقل المنتصرين. أكثر الصابرين. يريد أن يجد أمناً واستقراراً لأهله ولجمهوره بأسرع مما هم يتوقعون وبمبالغة أوصلت الى حد رفض الاسلوب الذي اتبعه من الشريكين بالاضطرار الرئيسين نبيه بري وفؤاد السنيورة.
بدا في عينيه انه يعرف تماماً ما حدث لحجارة الضاحية الصلبة الملأى بقضبان الحديد وأنه رأى الحجارة الناعمة لمنازل الجنوب المدمرة. فاجتهد بالمعونة المباشرة وإن كان الرئيسان بري والسنيورة وجدا أنه لم يُصب. الأحاديث الثلاثة الأخرى كانت لتلفزيوني الجزيرة و نيو تي في ول السفير .
استعجل السيد في اشراك المشاهدين بما يعتقد انه الصورة الأكيدة لما حدث والاستنتاج الصحيح للنتائج والدخول في زواريب الاحاديث المحلية وكأنه خارج من اجتماع لطاولة الحوار الوطني وليس من مواجهة عسكرية مع الجيش الإسرائيلي حقق فيها حزبه نصراً وصلت أصداء فرادته الى كل أنحاء العالم.
خطاب الاستراتيجية
الى ان جاء خطابه الأخير في يوم النصر ليجمع ما بين الحدة في الوضع العربي، والمحدود في الوضع الداخلي. والاستراتيجي في ما يدور حوله وحولنا من تطورات كبرى لا يعيها إلا المسؤول عن عقله أولاً قبل ان يكون مسؤولاً عن حياة آخرين من البشر.
برغم كل الغبار الذي أثير حول كلام الأمين العام لحزب الله فإن هناك محطات أساسية في كلامه لم يلتقط أولها إلا الرئيس فؤاد السنيورة.
الحوار أولاً حول كل المسائل التي تثير الانقسام بين اللبنانيين. ولولا وجود بنود انقسام لما كان هناك من ضرورة للحوار. مما ينفي ضرورة الحدة حول هذا البند او ذاك قبل مناقشته مباشرة بين الاطراف المعنيين.
النقطة الثانية هي أن سلاح المقاومة لن يبقى الى الأبد ويزول بانتفاء أسباب وجوده.
للمرة الأولى يعلن السيد نصر الله عن ان سلاح حزبه ليس أبدياً بصرف النظر عن ربطه نزع السلاح بقيام الدولة العادلة القادرة. فهو عنوان لدولة تستطيع جميع القوى السياسية المطالبة بها وبمضمونها. وإذا كان الأمين العام للحزب يعتبر انه ليس للدولة الحالية هذه المقومات فإن رئيس مجلس الوزراء على الأرجح له نفس الرأي. فمن أين نبدأ؟
هنا مهمة الحوار الذي يحدد للدولة مفهوماً واضحاً وجلياً وحاسماً في النزاع العربي الإسرائيلي ويبنى على القرار مقتضاه أياً يكن المفهوم المتفق عليه.
يعرف الرئيس السنيورة ومن يؤيد سياسته من الوزراء والنواب انهم مخوّنون في الدوائر الضيقة للحزب إلا ان هذا يعتبر أمراً طبيعياً في نتائج مواجهات عسكرية يريد الحزب من الحكومة ان تكون جزءاً منه بينما جمهور الحكومة يريد منها العمل على إنقاذ لبنان واللبنانيين من استمرار العدوان الإسرائيلي.
تعقّل السنيورة
حسناً فعل السيد نصر الله بتجاوز تعابير الطعن في الظهر والغدر والخيانة. وهي تعابير درج مناصروه على استعمالها حتى ما قبل يوم من خطابه. إذ ان الرئيس السنيورة لم يطعن في الظهر ولم يخن ولم يغدر حين قال علناً وفي أكثر من مناسبة عن ضرورة نزع كل سلاح خارج سلطة الدولة اللبنانية. هذا دور رئيس الحكومة أياً كان اسمه او انتماؤه السياسي في ظل القصف الإسرائيلي المتمادي. إذ لم يكن ممكناً في ذلك الحين مخاطبة المجتمع الدولي من قبل الحكومة اللبنانية بغير هذه اللغة وانتظار نتائج داعمة لوقف العدوان.
وهذه أيضاً رغبة جمهور كبير من اللبنانيين عن حق او عن باطل. فهم لا يرون في سلاح المقاومة الهدف المحدد له أي مواجهة إسرائيل بل يصرون ان هذا السلاح يسبب خللاً في التوازن الداخلي لا علاج له إلا بضمه الى الدولة.
يروي الوزير السابق ميشال إده انه كان في زيارة للسيد نصر الله منذ أشهر ودار الحديث حول الحوار الوطني بعد بحث مطوّل عن السياسة الإسرائيلية وتطوراتها. سأل الوزير إده السيد نصر الله كيف تريدهم ان يحاوروك وأنت تذهب الى الجلسة ومعك 12 ألف صاروخ.
ضحك السيد مصححا ان الرقم هو 16 ألفا. عندها أمسك الوزير إده بأيقوناته الكثيرة المعلّقة تحت قميصه: خلينا على 12 ألف صاروخ أرحم بنا وبهم .
في الخطاب الأخير وصل العدد المعلن من قبل السيد نصر الله الى 20 ألف صاروخ في مخازن المقاومة. فماذا يفعل الآخرون؟
عون الهادئ
العماد ميشال عون يجلس هادئاً في حديقة منزله البسيط في الرابية يفكّر في التطورات التي هبطت على لبنان في الشهرين الأخيرين. كانت المرة الأولى التي أجلس إليه دون ان يكون لضباب الانتخابات النيابية الأخيرة مكان في الحوار. إذ ان استراتيجية العقل في العماد عون لا تصفو إلا في غياب هذا الضباب.
كان يوم مهرجان حزب الله والمعلومات تتوارد إليه عن الحضور بينما هو ينظر الى ساعته مع اقترابها من الرابعة والنصف موعد كلمة السيد نصر الله.
لا يرى الجنرال في القرار 1701 قراراً دولياً عادياً يراد منه تهدئة الجبهة اللبنانية الإسرائيلية فقط بل يؤكد ان القرار جزء من عملية للسلام لم تكتمل بعد في المنطقة. وإن كان لا يعتقد بإمكان الإدارة الأميركية الحالية قيادة هذه العملية وإيصالها الى بر الأمان.
يربط العماد عون بين ما يجري في لبنان وما حوله فيتذكر البند الثامن عشر من القرار 1701 الذي يؤكد القرارات الدولية 242 و338 و1515 القاضية بانسحاب القوات الإسرائيلية الى حدود ما قبل الرابع من حزيران .1967 مما يجعل سوريا معنية بالقرار الدولي الجديد حتى الآن.
يستغرب العماد عون ما يسميه الحصار الداخلي لحزب الله ويقول ان خياره هو كسر هذا الحصار. ويكمل لو حصل نفس الأمر مع السنّة لوقفت الى جانبهم أيضاً. أنا أرفض سياسة الحصار لأي جهة سياسية لبنانية. وقد ظهر الآن ان ورقة التفاهم مع الحزب حققت للمسيحيين استقراراً ما كانوا حصلوا عليه في هذه الحرب وبعدها لولا الورقة .
لماذا قتل الحريري؟
يصمت العماد عون ويذهب بعيداً عنا المحامي طوني نصر الله الكثير المهام والحركة وأنا. يسألني العماد عون: هل تعتقد ان الرئيس الحريري رحمه الله يوافق على مثل هذه الحرب لو سئل؟
يكمل دون ان ينتظر اجابتي: لا بد من الاعتراف بأن للرئيس الشهيد قدرة على البناء لا يملكها غيره. وهو فعل ذلك عن عشق. إذا لم يرفض الحرب لأسباب سياسية وهو كان سيفعل. فسيرفضها من باب تعلّقه بسياسته العمرانية .
إسمعني دون ان تسجل عليّ. اعتبره كلاماً في الهواء. لقد اغتيل الرئيس الحريري لأنه رفض الموافقة على هذه الحرب حين عرضت عليه. أكرّر. اعتبره كلاماً في الهواء. وليس نصاً يعتمد عليه .
لا يترك لي مجالاً للنقاش حول هذه النقطة.
يعود الحديث الى حكومة الوحدة الوطنية التي ينادي بها حزب الله والتيار الوطني الحر.
أقول له ان حزب الله ليس جاداً في تغيير الحكومة فقيادته تعلم ان النص الوارد في البيان الوزاري الحالي والذي يعطي المقاومة الحق في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية لن يرد في اي بيان وزاري آخر وهذا هو الأهم في نظر الحزب وليس عدد الوزراء. فهل يناسبه توسعة الحكومة الحالية الى 30 وزيراً بعد أن يضاف اليها ستة وزراء جدد مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.
بالمقابل قوى 14 آذار لا تمانع في توسعة الحكومة ولكن بعد تشكيل المحكمة الدولية المختصة باغتيال الرئيس الحريري وليس بعد إخراج رئيس الجمهورية من بعبدا كما تقول في البيانات.
هل الحكومة قادرة؟
يسألني الجنرال هل تعتقد أن الحكومة الحالية قادرة على مواجهة متطلبات آثار الحرب على لبنان؟ إذا كان الأمر كذلك فلا ضرورة لتغييرها أو توسعتها. أما إذا كان الجواب بالنفي وهذا هو الوضع الآن فليس مهماً توسعتها أو تغييرها طالما أن الاثنين يؤديان الى الهدف المنشود. تصحيح الخلل السياسي وتلبية متطلبات المرحلة .
أما بشأن المحكمة الدولية فهناك إجماع عليها في مؤتمر الحوار. ولا أحد يستطيع التهرب من التزامه الموافقة عليها. لكن المشكلة الآن في نيويورك وليس في بيروت. المحكمة التي يقترح نظامها القاضي برامرتز تنص على اعتماد النظام الأنكلوفوني بدلا من الفرنكوفوني المعتمد في لبنان.
في النظام الأنكلوفوني يحق للمدعي العام الذي هو المحقق في الوقت نفسه أن يصدر قرارا ظنيا في كل جلسة ويستدعي من يريد استنادا الى معطيات تستجد كل يوم. وليس هناك من حدود لصلاحياته أو لقدرته على توجيه المحاكمة في الاتجاه الذي يريد. أما في النظام الفرنكوفوني فللمحقق أن يصدر قراره الظني مرة واحدة وتجري المحاكمة استنادا لهذا القرار وما يتفرع عنه. هناك دول في مجلس الأمن الدولي لا توافق على المشروع المقترح والذي يحتاج الى تعديلات جذرية في قوانين أصول المحاكمات في لبنان. وقد يأخذ هذا النقاش وقتا طويلا في مجلس الأمن. فضلا عن الهمس حول المفاوضات السياسية المحيطة. فماذا نفعل حتى ذلك الحين غير افتعال الاشتباكات السياسية.
آخر الحروب ..
أعود للسؤال الأساسي: هل حرب تموز هي آخر الحروب اللبنانية الإسرائيلية؟ لا يتردد الجنرال بالإجابة على السؤال. نعم. هذه آخر الحروب اللبنانية الإسرائيلية. المهم أن نلتفت الى الداخل لنحميه ونصونه.
الرئيس نجيب ميقاتي يختار في حركته السياسية. يعتمد ميزانا ليس لغيره القدرة على استعماله. إذ أن فيه الكثير من الترفع السياسي والأكثر من الإيمان بالقضاء والقدر. فهو ليس مرشحا لمنصب ولا يتردد في زيارات متعددة الاتجاهات. من سعد الحريري الى الرئيس السنيورة الى العماد عون، هذا في العلن. أما في السر فالرئيس ميقاتي قادر على عدم إعلانه. يبعث برسائل الود الى المختارة لكنه لا يجد الوقت مناسبا للزيارة. يسافر أكثر مما يقيم ويتحدث أغزر مما يقول.
البعض يسمي ترفعه إحجاما. لكنه يؤكد حين تواجهه بهذا الوصف أن ما يجري في المنطقة أكبر بكثير من حركة هذا السياسي اللبناني أو ذاك. وفي المفاصل الأساسية أنا أقول رأيي للمعنيين مواجهة أو عبر وسائل الإعلام ولهم حرية القرار سواء أصابوا أم أخطأوا .
ميقاتي لاستقرار العلاقات مع دمشق ..
لا يتخلى الرئيس ميقاتي عن علاقته بالرئيس السوري التي كان العنصر الشخصي فيها دائما هو الأوزن فضلا عن التعاون السياسي في الحكومات التي شارك بها منذ العام 98 حتى 2005 حين شكل حكومة الانتخابات. فهو لا يؤمن أن للاستقرار ثباتا في لبنان من دون علاقات لبنانية سورية طبيعية لا تسكنها الهواجس ولا تتحكم بها التشنجات.
هذا لا يمنع أن الرئيس ميقاتي يتمتع بعلاقات عربية في دول القرار جدية ومستمرة منذ سنوات. له في السعودية أحباء. وفي مصر أصدقاء. وفي الأردن عائلة ومعارف. وفي قطر وأبو ظبي والكويت صلات قائمة.
يعتمد الوسطية خطاً لسيره في كل الاتجاهات.
يعتقد الرئيس ميقاتي أن ثغرة تحققت في الحصار حول سوريا من الناحية الأوروبية. ففضلاً عن زيارة الأمين العام للأمم المتحدة جاءت زيارة المجموعة البرلمانية الاشتراكية الدولية الى دمشق حيث كان الحوار بناءً وإيجابياً ومشجعا وقد اتفق الزائرون مع القيادة السورية على أن يقوم وفد سوري بزيارة الى بروكسل خلال هذا الأسبوع لمتابعة المفاوضات.
ويبدي الرئيس ميقاتي أيضا تفاؤله بمجريات الحوار الإيراني الأوروبي استنادا الى قراءات وليس الى معلومات.
لذلك يرى ميقاتي في التعاون بين قوات الطوارئ الدولية والجيش اللبناني في الجنوب عنصرا إيجابيا يستطيع لبنان الإفادة منه في كثير من المجالات. إذ ان قراءته للقرار 1701 تعطيه محتوى جديا وصارما. وإلا لما عادت وقبلت كل الدول التي ترددت في البداية في المشاركة في قوات الطوارئ استنادا الى هذا القرار.
لم يحن وقت نزع السلاح ..
لا يبدي الرئيس ميقاتي خشية من التفاهم حول سلاح حزب الله . لأنه لا يعتقد أن الوقت قد حان لمثل هذا التفاهم. و حتى القرار 1701 اتخذ بموافقة الحزب. فلماذا اعتباره خارجا عن القانون الدولي؟ .
لكن الرئيس الوسطي يبدي خشيته من تغيير الحكومة أو توسعتها في مثل هذه الظروف. إذ أنه يعتبر أن الوضع السياسي الحالي يدعو للاشتباك أكثر مما يسهّل الاتفاق. فكيف بمسألة مثل تغيير الحكومة؟
يتمهل الرئيس ميقاتي في الإجابة عما إذا حرب تموز هي الحرب اللبنانية الإسرائيلية الأخيرة. ثم يؤجل الجواب الى ما بعد رأس السنة. حينها ستكون صورة السلام في المنطقة قد توضحت. وظهر ما إذا كان العرب قادرين فعلا على تجاوز العقبات الأميركية الإسرائيلية في وجه السلام الذي يحميهم .
مرة أخرى ماذا عن الموقف السوري؟
رغم النفي الذي واجهني به الوزير اللواء محمد ناصيف الهادئ المحيا والطباع عن قول مسؤول سوري آخر بأن خمس عمليات فدائية كفيلة بإخراج اليونيفيل من جنوب لبنان.
رغم هذا النفي فلا بد من الاعتراف بأن هناك من يتحدث بهذه اللغة في دمشق عن قوات اليونيفيل في لبنان. وأن لهذا الحديث دعامات وأساسات في العقل السياسي السوري.
يقول أصحاب هذا المنطق ان وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول جاء الى سوريا في شهر أيار من العام 2003 حاملا لائحة طلبات تتعلق بالدور السوري في العراق واستضافة دمشق لقيادات فلسطينية متطرفة والوجود العسكري السوري في لبنان وأرصدة عراقية مجمدة في سوريا. وفي صيف السنة التي بعدها زار دمشق ريتشارد أرميتاج مساعد وزير الخارجية الأميركي ليكرر الطلبات الأميركية وليضيف فوقها تمني عدم التمديد للرئيس اللبناني.
أين العروض الأميركية؟
صحيح أن سوريا لم تنفذ الكثير من الطلبات التي تلقتها من الإدارة الأميركية واكتفت بزيادة نقاط المراقبة على الحدود مع العراق. لكن الصحيح أيضا ان الإدارة الأميركية لم تتقدم بأي عرض أو جهد بشأن الأراضي السورية المحتلة. فلماذا على سوريا أن تقدم ما تعتقد واشنطن أنه واجب على دمشق. وتترك القيادة السورية ما هو حقها من الأراضي المحتلة عرضة للتجاهل الأميركي الإسرائيلي؟
قيادي من قوى الرابع عشر من آذار يجيب أن هذا الطرح غير صحيح إذ أن المحاضر المسجلة للمحادثات بين المسؤولين السوريين والمسؤولين الأميركيين توضح بما لا يقبل الشك أن الجانب السوري كان يلح في النقاش حول مسألة الوجود السوري في لبنان وليس الاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية.
بالطبع لا توحي هذه الرواية بالمنطق العادي لمحادثات على مثل هذا المستوى.
فضلاً عن أن الرئيس السوري اعتبر وجود قوات الطوارئ الدولية في لبنان هو تدويل جعل القوات الأطلسية تحتل جنوب لبنان.
إذاً لا شيء يوحي بإمكانية تغيير جدي في الموقف السوري ولا مجال لمقاربة سوريا في مشروع السلام الشامل للمنطقة ما لم تحصل معجزة تضع السوريين والأميركيين على طاولة الحوار.
رايس: قائدة الأوركسترا ..
وزيرة الخارجية الأميركية كوندليسا رايس تجول في المنطقة في الأسابيع القليلة المقبلة. ولكن استنادا الى زيارتها السابقة خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان لا توحي أن بإمكان دبلوماسيتها أن تحقق تقدما فعالا على الجبهة العربية الإسرائيلية.
آدم إيرلي المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قال عن رايس إنها كقائدة أوركسترا تستطيع عزف مقطوعة Brahms رغم صعوبتها. لكن العزف على أوتار الشرق الأوسط أصعب بكثير.
لا لبنان الرسمي حاضر لتنفيذ المطلب الأميركي بسحب سلاح حزب الله رغم النفوذ الدولي الذي يعطى للرئيس السنيورة. ولا إسرائيل قبلت عرض رئيس حكومة حماس بهدنة لمدة 10 سنوات مقابل الانسحاب الإسرائيلي الى حدود الرابع من حزيران. رغم أنها المرة الأولى التي تعترف فيها حماس ولو مداورة بحدود لدولتين متجاورتين.
ولا سوريا طبعا لديها أي مبرر لتتخلى عن حلفائها في لبنان وفلسطين مقابل الانسحاب المفقود من أرضها المحتلة.
علي لاريجاني سكرتير مجلس الأمن القومي الإيراني وكبير المفاوضين حول الملف النووي استبق زيارة رايس الى المنطقة بزيارة سوريا رغم انشغالاته الفائضة عن قدرته في حواراته مع خافيير سولانا كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي.
الفلسفة الغربية تفاوض الغرب ..
لاريجاني الدكتور في الفلسفة الغربية الذي تدرّج من قائد للحرس الثوري في بداية الثورة ثم مسؤولا عن التلفزيون والإذاعة قبل أن يصبح وزيرا للثقافة والتوجيه الإسلامي في عهد الرئيس رفسنجاني وفي العام الماضي سماه المرشد العام ممثلا له في مجلس الأمن القومي وكبير المفاوضين في مسائل الأمن القومي.
هذا الرجل البالغ من العمر 48 عاما ومعه خبرة بائع السجاد الإيراني فضلا عن الفلسفة الغربية يفاوض خافيير سولانا الممثل الأعلى للسياستين الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي. الفيزيائي الإسباني الذي عمل وزيرا سياسيا لمدة 13 سنة قبل أن يعيّن سكرتيرا عاما لحلف الناتو حتى العام .1999
ماذا يمكن أن ينتج عن مفاوضات الدكتور في الفلسفة الغربية المتدرب في الحرس الثوري الإيراني مع دكتور الفيزياء الذي عمل سكرتيرا عاما لحلف الناتو العسكري الأوروبي؟
إيران: دور + التخصيب..
لا شيء. سيستعمل الاثنان مواهبهما التفاوضية دون الوصول الى نتيجة. مسألة التخصيب النووي مسألة حياة أو موت بالنسبة للقيادة الإيرانية وهي تعرف حساباتها النفطية والعسكرية والسياسية التي تجعلها تطمئن الى أنها ستحصل على ما تريد .
الكلام لمسؤول سوري متخصص في الشأن الإيراني. سألته. ما دامت إيران تريد دورا إقليميا في منطقة الشرق الأوسط لماذا لا تتم المفاوضات على هذا الأساس وتُترك المسألة النووية.
أجابني باسما: عندها ستحصل إيران على الاثنين. الدور والتخصيب. ماذا سيفعل العرب؟
الثلاثي العربي السعودي المصري الأردني لا يزال يتحرك وفق ثلاثة مرتكزات الأول العمل الحثيث على حركة أميركية ضاغطة على إسرائيل وقادرة على الوصول الى نتيجة على الجبهة الفلسطينية. أولى الخطوات المطلوبة هي حكومة وحدة وطنية بين حركة فتح وحركة حماس تتولى المفاوضات وفق قواعد متفق عليها أهمها الاعتراف بالاتفاقات السابقة وهو ما لا يبدو قريب المنال.
المرتكز الثاني هو استعادة سوريا من التحالف مع إيران وهو ما لا يبدو على الرئيس الأسد الاستعداد له بصرف النظر عن خطابه الأخير الذي تحدث فيه عن أنصاف الرجال. أنصاف المواقف.
المرتكز الثالث: دعم مشروع الدولة في لبنان واعتماد الرئيس السنيورة ممثلا لهم في هذا المشروع المواجه لمشروع التحالف السوري الإيراني.
من المبكر الإجابة على إمكانية نجاح المشروع العربي بعد غياب لسنوات طوال في تحقيق تقدم على هذا الصعيد. إذ ان الرمال المتحركة للسياسة اللبنانية تجعل كل شيء ممكنا في الوقت الذي تبدو فيه الأبواب مغلقة تماما.
يدعم هذا التوجه أن القوى الدولية التي انضمت الى قوات الطوارئ في جنوب لبنان تعرف مخاطر وجودها ومستعدة له. حتى أنه نقل عن الرئيس الفرنسي جاك شيراك أن فرنسا مستعدة لدفع دم مقابل دورها في حماية السلام في جنوب لبنان.
إذاً لا زالت المواجهة على حالها وسيترك الرئيس بوش البيت الأبيض والرئيس شيراك الإليزيه ويبقى النظامان السوري والإيراني على حالهما. فكيف تكون آخر الحروب اللبنانية الإسرائيلية حصلت في تموز الماضي؟
الرئيس بري والعماد عون أكدا أنها آخر الحروب. سعد الحريري والرئيس ميقاتي تمهلا في الجواب.. السيد نصر الله قال إنه لن تكون هناك جولة ثانية.. وليد جنبلاط يتوقع الجولة الثانية قريبا. دمشق وإيران مستمرتان في تحالفهما. العرب يراهنون على غير الممكن.
بين الضاحية حيث الدمار ممتلئ قسوة وبين دمار الجنوب الحنون الحطام مسافة بعيدة لكن إنسانياً هما كالتصاق الرمش بالعين. لا يمكن للبناني فيه ذرة من ضمير سياسي لا إنساني فقط أن يتخذ قراراً بالحرب مرة أخرى…