آخر الحروب اللبنانية الإسرائيلية؟ ( 4\2 )

مقالات 11 سبتمبر 2006 0

الطريق الى قريطم الجديد تحتاج الى خريطة لا أملكها. حواجز على بُعد مئات الأمتار من مدخل المنزل المبنى تحيط بمنطقة شعاعها أوسع بكثير مما تراه في طريقك. بزات موحدة للحرس تعترف بحرارة الطقس. أسئلة كثيرة تدور في بالي وأنا أقترب من الحاجز الأول. ماذا حدث منذ الرابع عشر من شباط في العام الماضي حين انفجرت سيارة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه؟ ماذا حدث قبل الرابع عشر من شباط حتى أصبح التفجير واجباً قومياً ؟ ماذا حدث في التاريخ نفسه الذي أصبح له ما بعده وما قبله؟
من ذهب بعيداً، الحريري أم قاتلوه؟ الى أين ذهب؟ من أخذه في رحلته الطويلة التي لا عودة منها؟ أين هو الآن؟ هل صحيح أنه في ضريحه الى جانب مسجد محمد الأمين أم أنه تخفّى وعاد الى حركته السياسية فلا يهدأ ولا يترك أحداً يهدأ؟
أستغفر الله العظيم. لكن ثمانية عشر شهراً مرّت حتى الآن على اغتياله وأنا لا أعرف له غياباً. تقرأه في الصباح. تراه ظهراً. تودعه مساء وهو غائب فكيف لو كان حاضراً؟
لا شيء يقال من دون اسمه. لا رسم يسري بين الناس دون وجهه. لا علم يرفرف دون حَرْفه. لا يافطة ترتفع دون حقيقته.
هل هو الذي خطط لكل ما حدث بعد اغتياله. حدّد الأمكنة والمواقف والخرائط. توقع ردود الفعل السورية المستمرة في غيّها وظلمها وقهرها وجبروتها فاحتاط للأمر. نظّم الاشتباك مبكراً جاداً. جاداً. واعياً. قادراً. منظماً. مخلصاً لبلده. محباً لاستقلالها وسيادتها. مشجعاً لعروبتها. صادقاً في حداثتها. مصلحاً للعيوب الكثيرة في أنظمتها ولو لم ينجح.
أم أنه ترك الدنيا وما فيها معتمداً على شجاعة من فيها رفيقا وصديقا وقريبا.
رفيق الحريري ليس من النوع الذي يترك بلداً أحبه وأهلاً احتضنوه وجمهوراً تبعه وأصدقاء التفوا حوله دون أن يكون متأكداً من أنه رتب لهم دنياهم وذهب…
قريطم: العنوان السياسي
لست ممن فعل لهم ذلك. لكن اسم قريطم الذي أصبح عنواناً سياسيا للعالم العربي بعد اللبنانيين، يجعلني في كل مرة أسمعه وكأنه نداء. أهرب منه قدر الإمكان كمن يتجنب الواجب. ألبي النداء حين أفعل باستعجال يسابق الهوى.
هل هو إدمان السنوات؟ أم أنه عاطفة تتقدم ما عداها من حقائق فتجعلني أحثّ الخطى نحو عنوان لا أعرف النفاذ من الشوق إلى أهله.
أخاف أن تجافيني الحكمة. وأن يتجنبني الحياد. قريطم ليست عنوانا لي فقط. هي الكثير من سنوات العمر. والأكثر من الخبرة والمعرفة.
في قريطم القديم الصغير الجميل ترى الناس على حقيقتها. لا أقنعة. لا حجاب. فتتمنى لو أنك تعرفهم أقل وتراهم أقل من الأقل. تأخذ معك صورهم الى الحياة فتشعر بثقل لا وزن له على حياتك.
حاولت كثيراً أن أُجانب الحدة في مخاطبتي قريطم. نجحت مرات وفشلت مرات أقل. فالشأن العام لا يرحم صاحبه والحياد لا يرحم الكاتب تحت عنوانه. عن بُعد تبدو المهمة أسهل عليّ. أما القرب فيعيد إلى الذهن عناوين وتفاصيل لا يريد ذكراها فيضعف الكاتب ويرتجف قلمه. قلت لنفسي أوالي الضريح. لا أنافس زواره الذين يسبقهم المصور فيتصرفون على أن شرعيتهم قادمة مع الصورة.

مسلسل الصور
يعود اسم قريطم الى صدارة الذاكرة ويعود مسلسل صور لا تنتهي. هنا كان يضحك. مرّ من هنا. لولح بمسبحته اليسر في وجهي. ترى أين المسبحة؟ توتر من زائر يودعه. يستدعيني وعبد اللطيف ليفش خلقه . يطلب الأول منا. يحادث الآخر. فلا نعود نعرف لمن يتحدث وعن ماذا. يحسب بأصابعه ما في رأسه من أفكار على جنب المقعد. تنتهي الحسبة به بأن يطلب من السنترال محادثة فلان واستدعائه. يخترع كلاماً لطيفاً يحادث به زوجته في باريس. نسمع أوله ونغادر حتى لا نسمع آخره. يطلب السعودية. سعد على الخط. يقفل الهاتف مبتسماً سائلاً إياي أيّنا أشطر من الآخر. الأب أو ابنه. كنت متحزباً لسعد فأجيب: الابن. أسمع كلمات لا يليق استعادتها وتستمر الضحكة.
لم يكن سعد ولا يوم إلا جزءاً من هذه الصور. اتصاله اليومي. حضوره الجميل. تباسطه مع الناس. إحاطته بسلاسة بما لا يستطيع والده القيام به لضيق الوقت. محبته للصغير. احترامه للكبير. هدوء تعابيره.
للمرة الأولى أدخل الى قريطم الجديد المنزل المبنى منذ العزاء في سيده الكبير. تغيّرت الكثير من الوجوه حتى أنا تغيّرت. إلا سعد رفيق الحريري سيد قريطم الجديد لم يتغيّر. صحيح أن السنوات أخذت على وجهه أكثر من زمنها. لكنه لا زال قادراً على إيقاظ حوار نام لسنوات بنكتة لا يجاريه في خفة دمها أحد.

المكتب الرسمي
في الطابق الرابع الذي أدخله للمرة الأولى يجلس سعد في مكتب والده الرسمي الذي لم يستعمله الشهيد إلا نادراً. لا زالت عيناه تبرقان كما في الماضي. لا زالت ساعته في يده اليمنى. لا زال متمهلاً في سيره. لا زالت مسبحته على الطاولة. يتركها ويعود إليها.
الأحداث التي عاشها سعد الحريري منذ 18 شهراً تحتاج الى سنوات لقراءتها والتمعن فيها. فكيف لمن أتى من عالم الأعمال الى عالم السحر السياسي اللبناني بأسرع من رغبته وبقدره وليس بقراره؟
وكيف لمن كان الأمن سيد قراره وحركته وإقامته وكلامه. فلا يعود يعرف هل يتدرب على الأمن أم يتعرف على السياسة.
لا يدّعي سعد الحريري المعرفة. ولا القدرة. بل يصر على أنه يحاول قدر إمكاناته. قدر ظروفه. قدر السيل من المصاعب التي نزلت على رأسه منذ اللحظة الأولى لاغتيال والده.
يتجاوز كلانا الشخصي من الحديث لننطلق نحو العام من المواضيع.

السنيورة: راحة سياسية
يبدأ هو الكلام بإعجابه بتجربة الرئيس فؤاد السنيورة في الحكم. ليس بسبب دقة أدائه وصمود مواقفه ووضوح رؤياه فقط. بل لأنه يحمل عني قول ما لا أستطيع قوله. وفعل ما لا أستطيع فعله. ما يقوله فؤاد يبقى حيث هو. ما أقوله أنا ينزل الى الشارع ويتسبب بنتائج لا أريدها. ما يقرره فؤاد يذهب الى مجلس الوزراء وليس الى مجالس الناس الباحثين عن اشتباك أياً كان عنوانه. لقد نجح فؤاد في أصعب الظروف أن يبقى على تماسكه وعلى صلابة أعصابه. لم يكن لأحد أن يريحني سياسياً كما فعل الرئيس السنيورة. هو محل تقدير واحترام الجميع في تيار المستقبل وعند حلفائه. وكل ما تسمعه من إشاعات هو نتيجة نقاشات عادية حول هذا الشأن من شؤون الدولة أو ذاك. تنتهي دائماً للمصلحةا لعامة لا أكثر ولا أقل .

انتصار المقاومين
ماذا عن الحوار مع حزب الله ؟
لا ينكر سعد الحريري القدرة والصمود العسكري الذي حققه المقاومون في حزب الله في وجه الاعتداء الإسرائيلي. والعالم كله يعترف بانتصارهم العسكري الذي أحرج بنيان الجيش الإسرائيلي. ولكن كما أن الانتصار هو لكل اللبنانيين فإن الخسائر أيضاً تقع على كل اللبنانيين وهي أكثر مما نتصور.
الانتصار والخسائر هي حصة كل اللبنانيين وليس الآن وقت النزاع السياسي على هذا الموضوع أو ذاك. يبدي الحريري عتبه على قيادة حزب الله لأنه كان على اتصال مباشر معهم حتى لحظة خطف الجنديين الإسرائيليين. وكل المعلومات التي توفرت له في ذلك الحين من مصادره الدولية وحتى قبل عملية الخطف كانت تؤكد القرار الأميركي الإسرائيلي بعملية عسكرية كبرى. أين التنسيق؟ أين الاعتراف بمعلومات الآخر؟ أين المسؤولية عما حدث؟ لم عدم الاحتياط ما دام القرار الإسرائيلي معروفاً؟
كل هذه أسئلة للحوار وليس للقطيعة: يخوّنوننا وعندما نُصدقهم القول يهربون من الحقائق. كيف لحوار أن ينجح دون مباشرة في الحقائق والمعلومات؟ لن أقول الآن أكثر من ذلك. سأترك الباقي للحوار المباشر عندما يحين وقته. هل يستطيع لبنان أن يدفع وحده ثمن معارك المنطقة؟ من يبنيه؟ من يعيد شهداءه؟ من يتولى مئات آلاف الساكنين في العراء؟ .
يبدي سعد ارتياحاً استثنائياً إلى التنسيق مع الرئيس نبيه بري.

الوفاء للسعودية
يهدأ سعد الحريري ليبدي انزعاجاً جدياً من السياسة الأميركية في المنطقة. يؤكد على أهمية موقف الملك عبد الله بن عبد العزيز من أحداث لبنان وعلى تصرفه المسؤول تجاه حكومته وجيشه.
عندما لا أقتنع بالتوقيت يزداد اندفاعاً في الدفاع عن السياسة السعودية. يتحدث عن الحركة التي لا تنقطع للدبلوماسية السعودية في عواصم العالم وداخل الجامعة العربية من أجل لبنان وفلسطين. يعرف سعد الحريري أن لا هدوء في المنطقة دون تقدم في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية لكنه يطالب العالم بأن يأخذ في الاعتبار أن لبنان ليس وحده المسؤول عن السلام في المنطقة بحروبها وشرورها. يتبنى الحريري الموقف الداعي الى سلام شامل يبدأ في لبنان ويحتمي بالسلام الفلسطيني الإسرائيلي ويكتمل في سوريا.
يعود الى الجرح المفتوح. المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. تبدو المحكمة وكأنها شغله الشاغل. يتابع أخبارها كلما سمع أو قرأ كلمة عنها. ينتظرها بشوق صاحب الحق وبرغبة الباحث عن جواب لسؤال لا يتركه ليل نهار.
لا تهمه الشؤون الداخلية وتطوراتها إلا بقدر اتصالها بالمحكمة. خاصة أن للتطورات عنواناً وحيداً هو منع قيام المحكمة الدولية.
حين تقول أمامه إنه لم يعد باستطاعة أحد أن يمنع قيامها أياً كان. يرتاح وجهه دون أن يبتسم ويتأكد من موعد وصول معاون الأمين العام للأمم المتحدة للبحث في تفاصيل المسودة الأولى لها. حصل اللقاء قبل وصول مستشار الأمين العام للأمم المتحدة الى بيروت .

آخر الحروب؟
نأتي الى السؤال الأساسي: هل أن حرب تموز هي الحرب الأخيرة اللبنانية الإسرائيلية؟ لا يفاجأ سعد الحريري بالسؤال. لكنه يتمهل بالجواب. يعترف بأن هناك قراراً دولياً وعربياً وحتى إيرانياً بعدم تكرار هذه الحرب. والدليل انتشار القوات الدولية ولو البطيء على الحدود الجنوبية فضلاً عن الجيش اللبناني. لكنه يعتبر الاعتراف الإيراني بالقرار 1701 وتطابق وجهات النظر بين المسؤولين في طهران والأمين العام للأمم المتحدة، يعتبر هذين الأمرين مقدمة حسن نية للمفاوضات الإيرانية الأوروبية المعقدة وعجز الإدارة الأميركية عن اتخاذ قرار نهائي في هذا الاتجاه.
لكن هذا لا يغيّر كثيراً من مسار الأمور في لبنان التي سيأخذ استقرارها وقتاً لا يقل عن شهرين. عندها يمكن القول إن حرب تموز هي آخر الحروب اللبنانية الإسرائيلية المنفردة وإذا كان من تطور عسكري بعد ذلك فلن يكون من لبنان ولن يكون لبنان وحده.
أخرج من قريطم المنزل المبنى بعد أن زادت ذكرياتي إذ أن الشخصي من الحديث نزل عميقاً نحو حقائق غابت لمدة طويلة. أجد أبو كريم عبد العرب المسؤول الأمني لسعد الحريري بدلاً من الشهيد يحيى العرب أبو طارق اختلاف في السن، تقارب في الوجنات. إنما الطيبة هي ذاتها آتية من حيهما المسمى باسم العرب.

نسر المختارة
لا يهدأ..
من مركز القيادة في بيروت الى قصر القيادة في الجبل. إلى المختارة حيث يسكن القلق زميلاً للتوتر والمعرفة رفيقة للاستطلاع وأظافر النسر الجارحة التي لا تهدأ.
لا يقبل وليد بك السؤال. يوزع قواه في الداخل وعلى الحدود.
في الداخل لا يقبل وليد بك بترجمة سياسية لصالح حزب الله بعد حرب تموز.
يؤكد أن الحزب وحلفاءه يريدون رسم خريطة سياسية جديدة للموازين الداخلية وهو لن يسمح بها تحت شعار تجاوز الخلافات والانقسامات القائمة والتضامن والالتفاف حول الدولة. أولى مهام الدولة هي الولاية المطلقة والحصرية على الأمن الوطني وتضطلع من دون وصي أو شريك بمهمة التصدي لكل ما ينتهك سيادتها. على حد ما جاء في اجتماع قوى 14 آذار في البريستول.
أي دولة يا وليد بك؟ دولة القرار 1701؟ دولة السلام؟ دولة الصمود؟
لا يختار وليد بك بل يعود ليؤكد أن الحزب وحلفاءه يعملون على نقل الذخيرة والاستعداد لجولة ثانية. وأن القوات الدولية تتمهل في الوصول وتسلم مهامها. وأنها لن تصل الى العدد الذي أقره مجلس الأمن الدولي وهو 15 ألف عسكري.
ولكن يا وليد بك إن الدول الأوروبية الكبرى المشاركة في قوات اليونيفيل لا تأتي دون ضمانات تحميها من اللعبة الإقليمية.
لا يناقش وليد بك. بل يؤكد ما يقوله وكأن الحرب قادمة غداً.
تخبره بأن السيد حسن نصر الله الأمين العام ل حزب الله صرّح بأن لا جولة ثانية لهذه الحرب.
يرحب بكلام السيد نصر الله ويضيف إليه ما قاله الأمين العام من أنه لو كان الحزب على علم بأن عملية الخطف ستؤدي الى حرب بهذا الحجم بنسبة واحد في المئة قطعاً لما فعلنا لأسباب إنسانية وأخلاقية واجتماعية وأمنية وسياسية.

خريطة طريق السلاح
ينتهي من الترحيب بكلام الأمين العام ويعود إلى عناوين الذخيرة وطرق مرورها من سوريا إلى لبنان. يعترف وليد بك بأن لائحة الاغتيالات ما زالت على حالها وأن اختلفت أولوياتها. فالأولوية اليوم للمحكمة الدولية وكل من يملك مفتاحاً لها معرّض للخطر.
لا شك أن هذه اللائحة تتحكّم بالكثير من العمل السياسي في لبنان بصرف النظر عن مدى جديتها. لكن وليد جنبلاط لا يرى أن الوقت قد حان لإعادة الصياغة السياسية للداخل اللبناني ولا اعتبار تنفيذ القرار 1701 بجانبه الحدودي من الجانبين السوري والإسرائيلي هو الخاتمة للحروب اللبنانية الإسرائيلية.
لا ينفي وليد بك أهمية الدور الذي تضطلع به السعودية عربياً ودولياً من أجل لبنان وفلسطين. لكنه يعطي في الداخل الرئيس نبيه بري الفضل في ضبط التوازن الوطني خلال الحرب والمستمر حتى الآن.
تخرج من المختارة ومعك مزيد من القلق. لماذا؟

التوازن الوطني
الجواب في عين التينة حيث الرئيس بري عائد من الجنوب بعد القائه خطاباً بمناسبة ذكرى اختفاء الإمام موسى الصدر.
أكمل رئيس المجلس في خطابه دور صمام الأمان للتوازن الوطني. لم يعترف بكل ما يقال عن التوجه الشيعي نحو تعديل اتفاق الطائف. دعا الى النضال بكل الوسائل الديموقراطية لتحقيق انتقال سلمي من مرحلة السلطة الى مرحلة الدولة ارتكازا على الطائف بشقيه الدستوري والإصلاحي.
تحدث باسم الشيعة الذين يعتبرون لبنان وطناً نهائياً. ترك لقوى الرابع عشر من آذار ولقوى الثامن من آذار أن تقول ما تريد وتختلف على ما لا تقدر عليه. ثم تعود لما قاله بهدوء وبساطة. فلا حزب الله يريد تغيير الحكومة ولا قوى 14 آذار تتحدث عن دولة قادرة على نزع سلاح حزب الله دون حوار ودون ابتكار.
بدا الاثنان وكأنهما يتقاتلان سياسياً في أزقة بيروت بينما الصراع على المنطقة يحتاج الى رؤية أوسع بكثير مما تراه أعينهم.
الرئيس بري يتمهّل أيضا في اعتبار حرب تموز آخر الحروب اللبنانية الإسرائيلية لكنه يتحدث عن هذا الاحتمال بميل لحدوثه، إنما بعد أشهر وليس الآن.
يخفي الرئيس بري الكثير مما يعرفه من خلال لقاءاته الدولية والعربية لكنه لا يبدي قلقاً من المستقبل.
إذا كان اللبنانيون منقسمين حول القلق من تكرار تجربة حرب تموز. فماذا عن العرب؟

تضامن في الهزيمة فقط
يقول الدكتور أحمد يوسف أحمد مدير معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة في ندوة نظمها مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت. يقول ما نصه:
ويلاحظ من منظور الصراع العربي الإسرائيلي بالذات أن حالات الهزيمة كانت تفضي الى تضامن، وحالات النصر تفضي الى حروب عربية باردة، ففي أعقاب هزيمة عام 1948 وقعت اتفاقية الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي عام ,1950 وفي أعقاب هزيمة عام 1967 بدأت واحدة من أقوى موجات التضامن بين وحدات النظام في مواجهة آثار العدوان. أما حرب السويس عام 1956 فقد أعقبتها حرب باردة عربية حتى هزيمة عام 1967 وإن تخللتها موجة تضامنية قصيرة (سياسات القمة في عامي 1964 و1965)، وانسحب الأمر نفسه بوضوح أشد في حرب عام 1973 التي أعقبتها واحدة من أشد موجات الصراعات العربية العربية بعد تبني الرئيس المصري سياسة التسوية مع إسرائيل اعتباراً من عام ,1975 وصولاً الى ذروتها في السنوات 1977 ,1979 وما أعقبها من قطيعة رسمية مصرية عربية دامت عقدا من الزمان.
ولا تبدو الحالة الأخيرة (عام 2006) استثناءً، فقد حقق حزب الله ما يرقى الى انتصار استراتيجي على إسرائيل، وقد حدث الانقسام العربي بشأن الموقف من حزب الله منذ الوهلة الأولى كما سبقت الإشارة بين جبهتين: الأولى تؤيد المقاومة وتتزعمها سوريا، والثانية تتحفظ على المقاومة أو حتى تعترض عليها وتتزعمها السعودية، ثم جاء خطاب الرئيس السوري في 15/8/2006 الذي أعلن فيه أن الحرب أسقطت أصحاب أنصاف المواقف أو أنصاف الرجال ، وألمح فيه الى أن قوى 14 آذار/مارس في لبنان منتج إسرائيلي على شاكلة قوى 17 أيار/مايو .1983 وقد أدى هذا الخطاب الى ردود فعل سياسية وإعلامية حادة في دول الاعتدال العربي التي اعتبرت نفسها مقصودة بخطاب الرئيس السوري، الأمر الذي اعتبره كثير من المراقبين تدشيناً لحرب باردة عربية جديدة. ولا شك في أن ثمة استقطاباً موجوداً في الوقت الراهن في تفاعلات النظام العربي، وإن كانت طبيعة النظم العربية الحاكمة كافة، والإطار الدولي الذي تتحرك فيه، يجعلان من المرجح ألا يصل هذا الاستقطاب الى الحدة التي وصلها في ستينيات القرن الماضي على سبيل المثال. ومن الواضح أن هناك محاولات تجري بالفعل للتخفيف من حدة الاستقطاب الراهن بخاصة، وأن آثاره في بلد كلبنان في هذه الظروف يمكن أن تكون كارثية إن أطلق له العنان .

عودة الاعتدال
يتحرك الثلاثي السعودي المصري الأردني منذ ما قبل الحرب على نحو متقلب في الاتجاه. فبعد أن كان التوتر هو سيد النص السياسي لدى الثلاثي عادت اللغة الهادئة المعتدلة المستوعبة الى لسان المسؤولين في البلدان الثلاثة.
العاهل السعودي صرّح أول من أمس أن سنوات من العنف تنتظر المنطقة ما لم تحل القضية الفلسطينية.
الملك الأردني كرّر الكلام نفسه في اليوم نفسه.
السعودية تتصرف على أن الملف اللبناني هو جزء من همّها اليومي بعد انقطاع طويل.
يحكى الكثير عن اجتماعات عقدت وتعقد من أجل البحث في السياسة السعودية في المنطقة في مواجهة المشروع الإيراني سلماً.
الأمير سعود الفيصل عبّر عن ذلك بالقول إن مليكه طلب إجراء دراسات حول أزمة المنطقة. السفير السعودي في لبنان الدكتور عبد العزيز الخوجة يضحك ولا يجيب عندما تسأله عن زيارته الأخيرة الى السعودية.

الحوار بالتتمات
لكن حركة السفير المكثفة في اتجاه وليد جنبلاط والرئيس السنيورة الذي قام أمس بزيارة السعودية وسعد الحريري والأهم من ذلك اجتماعه بالحاج حسين خليل المعاون السياسي للأمين العام ل حزب الله ، تدل على الرغبة في تحسين المناخ.
حرص السفير الخوجة على القول إن الحوار لم ينقطع مع قيادة الحزب وإن البيان السعودي عن المغامرة غير المحسوبة هو تتمة الكلام الذي قاله السيد نصر الله عن أنه لو علم الحزب بنتائج خطف الجنديين الإسرائيليين لما قام بالعملية.
يمكن تفسير هذا الكلام بأنه استنتاج دبلوماسي لكلام حاد. أو أنه افتتاحية الحوار بين معاون الأمين العام والسفير السعودي.
الجديد في الموضوع أن السفير الخوجة لا يقدم على مثل هذا الاجتماع دون موافقة قيادته. مما يؤكد عودة سياسة الاستيعاب الهادئ الى الإدارة السياسية للسعودية. هذه السياسة لا تسري على العلاقات السعودية السورية رغم محاولة تفسير الرئيس الأسد لما قاله في خطابه بحديث الى تلفزيون دبي يبدو أنه أساء أكثر مما أصلح.
هذا ليس بجديد على السياسة السورية فما إن تسمع النبأ حتى تنتظر تصحيحه كما حدث مع رومانو برودي رئيس الحكومة الإيطالية. الذي أعلن موافقة سوريا على قوى دولية على حدودها مع لبنان. فإذا بالوكالة السورية للأنباء تنفي ذلك وسط حقل من التفسيرات.
لكن السعودية لا تستعمل في سياستها المواجهة المباشرة. فهي تعلم أن إغلاق الحدود اللبنانية الإسرائيلية هو خسارة لسوريا لا تعوّض. لذلك فهي تعمل على السلام الشامل وإذا لم يكن بالإمكان فالحدود اللبنانية هي أولى الخطوات.
هل ينجح الثلاثي العربي المصري السعودي الأردني؟ ماذا عن إيران؟ ماذا عن حزب الله ؟ ماذا عن سوريا؟
الجواب في العدد المقبل…