إيران تشاكس ولن تنجح.. والعباءة السعودية قادرة على تحقيق التوازن
ثائر عباس، الشرق الأوسط
المشنوق لـ “الشرق الأوسط”: الأمن في لبنان تحت السيطرة.. والخوف من الانتحاريين والاغتيالات
أعرب وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق عن “تفاؤل موضوعي” بالوضع الأمني اللبناني نتيجة تلاقي مصالح دولية – إقليمية على الحفاظ على الوضع اللبناني بموازاة الحوار الداخلي، معتبرا أن الوضع اللبناني أفضل مما هو في كثير من دول الجوار. لكن المشنوق استبعد حصول انتخابات رئاسية تنهي الفراغ المستمر منذ مايو (أيار) 2014 بسبب عدم حصول اتفاق إطار أميركي – إيران. ونبه في حوار خاص مع “الشرق الأوسط” في مكتبه في وزارة الداخلية التي تخضع لإجراءات أمنية غير اعتيادية، إلى أن الفشل في الوصول إلى هذا الاتفاق من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد في المنطقة، سواء في سوريا أو اليمن أو البحرين، معتبرا أن التصعيد اللبناني سيكون عبارة عن اغتيالات تؤشر الكثير من التقارير الأمنية على حصولها. ورغم أن المشنوق يؤكد أنه “مرتاح” لوضعه الأمني، فإنه لا ينكر في الوقت عينه أن “التقارير تقول إنه شخصيا مهدد بالاغتيال أيضا”. وفيما يلي نص الحوار:
* هناك حديث عن احتمال عودة التصعيد إلى لبنان، من بوابة الاغتيالات؟
– صحيح. لا أعتقد أن اتفاقا أميركيا – إيرانيا سيحصل، من هنا أرى أن هناك احتمالا للتصعيد في المنطقة، يمكن أن تقترب الأحداث في سوريا أكثر فأكثر على الحدود مع إسرائيل، فهذا وحده يمكن أن يلقى اهتماما في الغرب، بما أن الوضع اللبناني لا يسمح بمثل هذه المواجهات.
* لماذا؟
– لأنه لا أحد يتحمل في لبنان عمليات عسكرية تؤدي إلى احتمال نشوب حرب إسرائيلية على الحدود لأكثر من سبب. أولا، أهل الجنوب ليس لديهم استعداد بعد 9 سنوات (من الحرب الأخيرة) أن يدخلوا في حرب (جديدة) مع إسرائيل، بعد الانتهاء من إعادة إعمار بيوتهم منذ فترة قصيرة، فلا أحد يجرؤ في الدخول في دورة دمار جديدة. ثانيا هناك قرار استراتيجي إقليمي دولي للحفاظ على لبنان بوضعه الحالي لأنه رئة تنفس لسوريا، وللوضع السوري، فهناك المطار والمرفأ والمستشفيات والتحويلات المالية، وإذا كان لا بد من تصعيد في لبنان، فلكل بلد تصعيده، فالبحرين لها التصعيد الخاص بها، وكذلك لليمن والعراق وسوريا ولبنان، كل منها له خصوصية في التصعيد.
* ماذا عن التصعيد اللبناني؟
– نحن في لبنان اختصاصنا الاغتيالات. وكل التقارير التي نحصل عليها تدل على أن هناك احتمالا كبيرا للدخول في مرحلة الاغتيالات.
* هل هناك جهة معيّنة قد تكون مستهدفة؟
– الأمور غير واضحة ومحددة نهائيا، بل هناك تضارب بالمعلومات حول الجهات المعنية بهذا الأمر.
* كيف يمكن أن نصف الأمن اللبناني بشكل عام في هذه المرحلة؟
– تحت السيطرة، بسبب التفاهمات السياسية والحد الأدنى من التماسك الوطني في موضوع الإرهاب المتوفر عند كل الأطراف اللبنانية. لذلك ترى أن الوضع ممسوك، لكن لا يمكن وصفه بأكثر من ذلك. أنا أعتبر أن وضعنا جيد على عكس كل ما يقال مقارنة بكثير من الدول المحيطة. ولا بد من الإشادة بالشجاعة الأمنية لقائد الجيش العماد جان قهوجي.
* هناك كلام كثير عن التصعيد المرتقب في البقاع مع «داعش» وجبهة النصرة بعد ذوبان الثلوج في الربيع؟
– أنا غير موافق على نظرية الخطر الكبير القادم من البقاع. هناك مشكلة في نقطة محددة في عرسال، لكن هذه المنطقة تحت السيطرة والجيش قادر على الحد من ضررها أو احتمال انتشارها، وأعتقد أن هناك مبالغة في هذا الموضوع.
* ماذا عن بقية المناطق؟
– تحت السيطرة في كل لبنان، لكن هذا لا يمنع أن يحصل أي حادث أو إشكال، كأي بلد في العالم، لكن الفرق أننا نملك عادة انتشار السلاح، ولدينا الخوف من التفجيرات. كل شيء ما دون التفجيرات سهل ويمكن ضبطه حاليا. التفجيرات هي المشكلة الوحيدة التي نعتبرها ليست سهلة، والأجهزة الأمنية في لبنان هي الوحيدة التي استطاعت أن تقوم بعمليات استباقية، وأن توقف أشخاصا أثناء شروعهم بعمليات تفجير، وهناك تعاون كبير مع أجهزة أمنية عربية وغربية تساعد في هذا المجال. وهذه أمور تدل على كفاءة عالية في هذا الموضوع.
* البنية التحتية للسيارات المفخخة لا تزال موجودة في لبنان؟
– انخفضت نسبتها كثيرا، وهي كانت موجودة على الحدود اللبنانية – السورية، وهي عملية معقّدة ليست سهلة، وانخفضت نسبتها لسببين، أولهما إغلاق المنطقة الحدودية التي كان يتم منها هذا الأمر، والثاني الإجراءات الأمنية.
* يبقى الخوف من الانتحاريين..
– هذا دائم، والذي يخفف منه كثيرا هو العمليات الاستباقية والمعلومات، لذلك أنا أقول لبنان حاجته الأولى ليست دبابات وطائرات كقوى أمن، بل حاجته الأولى والجدية هي أن يملك ناسا محترفين من جهة وتقنيات عالية من جهة. والنجاح اليوم في المعلومات وليس في “العضلات”، فالعضلات هي آخر سلاح يمكن استعماله.
* الخطة الأمنية ستنتقل إلى الضاحية؟
– صحيح، بيروت والضاحية منطقة واحدة، والضاحية ليست خارج الدولة، ولا خارج الوطن وبالتالي سوف تسير فيها الخطة الأمنية بشكل طبيعي.
* لكنك قلت في وقت سابق إن الضاحية هي من ضمن الاستراتيجية الدفاعية؟
– استعجلت في هذا الموضوع لكن تبين أن الضاحية يجب أن تكون جزءا من الأمن الذي تقوم به الدولة اللبنانية.
* هل هناك محاذير أمنية من قبل حزب الله؟
– كلا، أبدا. حزب الله ليس لديه أي تحفظ لا من قريب ولا من بعيد.
* هل من موعد محدد للانطلاقة؟
– في وقت قريب، وستكون عبارة عن عملية أمنية يقوم بها الجيش والقوى الأمنية والأمن العام، كما حصل في البقاع، أي إن نوعية القوى التي ستشارك فيها هي نفسها وتوقف المطلوبين وترجع الدولة إلى حيث يجب أن تكون.
* ماذا عن مصير العسكريين المخطوفين؟
– هناك تقدم جدّي مع النصرة، ومن الممكن أن نصل إلى نتيجة، هناك الوساطة القطرية سارية المفعول وجدية ومتابعة، بالإضافة إلى جهود لبنانية موازية وتصب في مكان واحد.
* هناك كلام عن أن قضية العسكريين لن تحل لأنها تشكل رئة للخاطفين للتموين بحجتهم؟
– غير صحيح، أعتقد أنهم تعبوا، على الأقل النصرة، بينما “داعش” بدأت من جديد، وهناك خلافات واشتباكات كبيرة بين “النصرة” و”داعش” في الجرود (قرب الحدود مع سوريا)، و(هناك) حرب إلغاء.
* العسكريون ما زالوا في الأراضي اللبنانية؟
– صحيح.
* وماذا عن وضعهم؟
– وضعهم مثل وضع أي مخطوف.
* هذه الجماعات كيف تتموّن؟ يفترض أنهم محاصرون؟
– لديهم تموين من سوريا ومن لبنان، وهناك مخيم سوري كبير داخل منطقة الجرود، وخارج منطقة سيطرة الجيش، وهذا التمويل الذي يذهب إليه، بقدر معين.
*التموين ليس مفتوح الكميات؟
– كلا، ضمن ضوابط.
* هل سيتم تفكيك المخيم أم لا؟
– لا، لا أحد يمكنه أن يقول إنه يقدر على تفكيكه. وأنا توقعت أن يحصل ما حصل في عرسال، لأن أي مخيم حدودي هو مشروع اشتباك، لأنه منفتح على الداخل السوري، والمسلحون يأتون إليه لأنه الأقرب للحدود. القوى السياسة اللبنانية خاصة حزب الله والتيار الوطني الحر، لم يكونوا موافقين على إنشاء مخيمات في البقاع والشمال للنازحين السوريين على حدود عرسال. وهذا شيء يحرر عرسال لأن هناك وضع يد عليها. قبلنا ذلك أو رفضنا، هناك عدد نازحين أكثر بمرتين من عدد سكان عرسال مع إمكانات عسكرية ومادية. اليوم هناك رضا مبدئي على تشجيع السوريين الموجودين بمنطقة الحدود أن يذهبوا إلى الداخل اللبناني، وجزء منه يحصل عبر قوننة وضع النازحين في عرسال.
* هل هناك شيء عملي في هذا الاتجاه؟
– نعم، هناك بدايات مشجعة لكن تحتاج إلى وقت ومال، لأن التكلفة المبدئية لأي مخيم تريد إنشاءه إذا كان يستوعب 500 إلى ألف عائلة 10 ملايين دولار، فكيف إذا أردنا إنشاء 8 مخيمات لـ80 ألف لاجئ في عرسال.
* هل يسمح الوضع الأمني بالانتخابات النيابية الفرعية؟
– حتى الآن لا، أنا لا أشجع على حدوث أي تجمع، بما فيه التجمعات الرياضية، لأنني أعتبر أن هذا خطر كبير على البلد ويعرضنا لهزات غير مضطرين إلى تحملها الآن.
* إذا لا تشجع النائب وليد جنبلاط أن يستقيل؟
– أنا لم أشجعه منذ البداية، لكن لأسباب أخرى، لأن جنبلاط ضروري جدا أن يكون في هذه المرحلة ممارسا لعمله السياسي، لمحاولته تقريب وجهات النظر بين الأطراف، والتشجيع على الحوار.
* السفير الأميركي قال بعد زيارتك ألا ننتظر صفقة دولية لانتخاب رئيس للجمهورية..
– أنا من الأساس لا أتوقع أن يحصل اتفاق إيراني – أميركي، وأعتقد أن الحظوظ أقل بكثير من قبل. لا يوجد اتفاق إيراني – أميركي لا يضمن أمن إسرائيل، فهل إيران مستعدة لأن تعطي هذه الضمانات؟ واليوم وزير الخارجية الإيراني (محمد جواد ظريف) يعطيهم إغراء، إذ رد على (رئيس الوزراء الإسرائيلية بنيامين) نتنياهو بالقول إنه خلال 250 سنة أنقذ الشعب الفارسي اليهود 3 مرات، ولا أدري إن كان هذا للتلميح لضمانات بالشأن الإسرائيلي، لكن لا يمكن الاتفاق من دون ضمانات.
* لكن الوضع الحكومي شبه مشلول نتيجة غياب رئيس الجمهورية؟
– بالانتخاب الرئاسي تستكمل النصاب الدستوري بالبدل الذي هو ضرورة ملحة، على عكس الشائع الذي يقول إننا نعطل أو نجمد أو نصعد الحياة الدستورية إلى حين انتخاب رئيس جمهورية. في آخر جلسة لمجلس الوزراء أنا كنت واضحا بالقول إن مهمتنا في الحكومة هي حفظ الجمهورية وليس انتخاب رئيس جمهورية، لأن انتخاب الرئيس مسألة معقدة داخليا وإقليميا، والحفاظ على الجمهورية يكون بالالتزام بالدستور وليس الاجتهاد بالدستور في ظل الأزمات، لأنه النقطة الوحيدة التي يجتمع عليها اللبنانيون دون استثناء هي وجود دستور للبلد عليهم الالتزام به. فعلينا أن نسير حسب الدستور وتنفيذ بنوده حرفيا من دون كلام له طبيعة طائفية، فليس المسيحيون من يفتقدون رئيس جمهورية في البلد فقط، بل اللبنانيون جميعا يحتاجون لوجود رئيس جمهورية، ولكي يحصل هذا الأمر لا يجوز تعريض الجمهورية والدستور لأي اجتهاد.
* أي إنه لا يوجد انتخابات رئاسية في المدى المنظور..
– في رأيي لا أرى أن هناك انتخابات قريبة، إلا إذا حصلت اتفاقات إقليمية كبرى، لا أرى ملامحها حتى الآن.
* المانع هو فقط إقليمي دولي؟
– إلى حد الآن نعم، فنحن أمام خيار أما أن تقبل بالمرشح فلان أو لا انتخابات رئاسية. أما نحن فنقول إنه ليس لدينا فيتو على أحد لكننا حريصون أن يكون المرشح وفاقيا وقادرا أن يتفاهم مع كل الأطراف اللبنانية.
* فلان هو العماد ميشال عون؟
– نعم..
* لماذا لا تقبلون بميشال عون؟
– ليس لدينا فيتو على أحد، إذا جرى توافق بين كل الأطراف على اسم وفاقي يوافق الجميع على تسميته حينها لا يمكننا إلا أن نقبل بالعماد عون أو غيره
* هو انفتح على تيار “المستقبل”؟
– هو يحاول لكن لا يُنتخب رئيس الجمهورية من حزب الله وتيار المستقبل فقط، هناك أطراف أخرى بالبلد عليها أن تكون موافقة، والمسيحيون لهم الرأي الأول، ولكن ليس الرأي الوحيد في انتخاب رئيس، وبالتالي على الرئيس أن يكون مقبولا من كل أطراف.
* تقييمك للوضع عموما.. متفائل؟
– لا، تقييمي واقعي بالمقارنة مع المحيط.
* ألا تؤثر سلبا تطورات هذا المحيط؟
– نعم طبعا، لكن بالأشهر المقبلة مهمتنا أن نحفظ الوضع الحالي.
* في الحوار مع حزب الله، قمتم بفصل البعد الداخلي عن الخارجي..
– جمّدنا الخلاف على البعد الخارجي، فوجهة نظرنا من النظام السوري معروفة، ولكن نبحث معهم في كيفية حفظ البلد، وتحقيق أكبر قدر ممكن من الاستقرار، وهذا إلى حد ما حقق تقدما.
* لكن وجودهم في سوريا، أيضا يشكل ضغطا على الوضع الأمني في لبنان؟
– لا، هم بوجودهم في سوريا شكلوا، وليس يشكلون. منذ البدايات لا شك أن التدخل العسكري للحزب في سوريا هو جزء من حالة التعبئة الإيرانية. ونحن مقتنعون أن هذا الدور سيكلف لبنان واللبنانيين وخاصة جمهور حزب الله، تاريخيا، الكثير. نتائج هذا التدخل سوف تظهر بعد سنوات، ورغم كل شيء المشروع الإيراني لا يمكن أن ينتصر بالمنطقة، يقدر أن يحدث اضطرابات أو مشاكل وانقسامات لكن لا يقدر على إقامة وضع مستتب في أي مكان لصالحه، والدليل أن مقاومة هذا المشروع موجودة في كل بلد هو قوي.
* إنهم يمتلكون أوراقا كثيرة..
– هناك فرق بين الورقة والوضع الثابت، فالورقة التي بيده، ألا يريد أن يبحث على من يشتريها؟ اليوم الوضع الدولي لا يشتري منه أوراقا أو يسايره لتخفيف الضغط. قوات الباسيج (الإيرانية) تشارك فعليا في القتال بسوريا، وموجودة بالآلاف، لكن هل استطاعت أن تخلق وضعا مستقرا وثابتا لصالحها؟ أم أنها دافعت فقط وأصبحت جزءا من الاشتباك؟ الحتمية التاريخية تقول إن هذا المشروع لا يستطيع أن يعيش، ولا يستطيع أن يكون جزءا من الاستقرار وثباته في العالم العربي.
محور التوازن الذي يقوم به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لا شك أنه سيحقق نتائج لأن عناوينه احتوائية وليست عدوانية وهي تفتح الباب أكثر لمختلف الاتجاهات السياسية أن تلتقي تحت العباءة السعودية. وهذا الأهم في حركته، لأنه لا توجد عباءة ثانية تحتويها ولا دولة ثانية قادرة أن تقوم بهذا الدور. مصر ما زالت بمرحلة الأبيض والأسود، مرحلة الحدة المطلقة. والأتراك قالوا إننا متفقون على كل المواضيع إلا على الموضوع المصري، لكن هناك أشياء متفق عليها. هناك شيء يتكون باكستاني – تركي – عربي. وما المانع في أن تكون العباءة السعودية مكانا تلتقي فيه سياسات مختلفة وتبحث عن قواسم مشتركة، بالعكس أنا أرى فيها خطوة جبارة قدر الملك أن يقوم بها خلال وقت قصير جدا. عدد الزوار وطبيعة الكلام ليست سهلة، وأعتقد أن القمة العربية القادمة ستطرح القوة العربية المشتركة، وأعتقد أساسها سيكون مصر، وتتحول إلى حقيقة، سنراها قريبا.
* كيف، ومتى، ترى نهاية الأزمة السورية؟
– متى؟ لا أعلم، لكن لا يمكن أن تستتب الأمور مع هذا النظام رغم كل المحاولات وكلام الرئيس السوري (بشار الأسد) أن النظام باق. هذا كلام خارج التاريخ، وهناك محاولات كبرى سياسيا وعسكريا من روسيا وقتاليا وماديا من إيران وحلفائها، لكن لن يصلوا إلى نتيجة، يمكن أن تستمر الحرب لسنوات لكن بالنتيجة المهم من يبقى.
* هناك خطر كبير تواجهه كل دول المنطقة وضمنها لبنان من الجماعات المتشددة..
– هذا لا يطلق عليه التشدد، هذا تكفير وإرهاب، لكن من أين نشأت وكيف تكونت؟ هناك مبررات أو على الأقل هناك تسهيلات، وهي متوفرة، فلولا الممر التركي والسياسة الأميركية، كيف كان عاش هذا المشروع؟ التحالف ضرب 700 ضربة جوية؟ فماذا حقق وإلى أين وصل؟ اضطروا أن يستعملوا الميليشيات الشيعية في العراق للقتال بالمناطق السنية، رغم الحساسيات الفظيعة لهذا، وأصبح (الجنرال الإيراني) قاسم سليماني في مواقع القتال باعتباره المنظم الأول للحروب، وهذا لا يمكن تفسيره بغير أنه كلام مذهبي، ولا يسبب إلا المزيد من التوتر المذهبي.
* هناك عامل فكري أيضا..
– عندنا 3 مشاكل والذي أسميه المثلث الذهبي لمحاربة التطرف والتكفير، أولا يجب إيجاد حد أدنى من التماسك الوطني، عبر تجميد الخصومات الداخلية أو توقيفها، لتقدر على مواجهة الإرهاب. الأمر الثاني هو مراجعة كل أساليب التدريب، ونوعية القوات التي تستخدم في مثل هذه الحروب، وأنا أشعر بالغيرة من (ولي ولي العهد السعودي وزير الداخلية) الأمير محمد بن نايف لأن الأمن السعودي في لحظة تفجير الأحساء استطاع أن يقوم بست عمليات على 6 مواقع داخل السعودية بنتائج جدية، وهذا عمل غير بسبط. وهذا دليل على وجود نسبة احتراف عالية لدى القوات التي قامت بهذا الدور. نحن عندنا جزء معقول من الاحتراف موجود بالأجهزة الأمنية. وقد سبق أن تكلم معي الأمير محمد بن نايف وهنأني بضربة استباقية قامت بها القوى الأمنية اللبنانية، وقال لي: “الآن أصبحت أطمئن عليكم ما دام أصبحتم قادرين على أن تقوموا بعمليات استباقية”. فالسعودية هي الدولة الوحيدة التي قامت بمساعدة الجيش وقوى الأمن، دول كثيرة تكلمت، أما السعودية فهي الوحيدة التي نفذت، ولا أعتقد أن العهد الجديد في السعودية سيقصّر، أي أن يراجع هذه السياسة إلا بالإيجابية، بمعنى حفظ الاستقرار والأمن للبنان.
أما العامل الثالث فهو الشجاعة الفقهية، فيجب أن يكون هناك ناس لديهم القدرة على مقارعة هذا المنطق التكفيري، بشكل منطقي وطبيعي، لأن المتوتر يمكن أن يكون معجبا حتى بالتكفير، وبالإخراج السينمائي العظيم لعمليات القتل سواء ذبحا أو حرقا، ففيلم حرق الطيار الأردني (معاذ الكساسبة) يأخذ أوسكار في الفظاعة والبشاعة، لكنه يمكن أن يكون مغريا لعقول بسيطة وأعمار صغيرة، وإلا فلماذا هناك 82 جنسية مع هذه التنظيمات من كل دول العالم، وبعضهم لا صلة له بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد، لكنه معجب بالتجربة الوحشية؟ الشجاعة الفقهية تتطلب أشخاصا قادرين أن يواجهوا. وأنا التقيت شيخ الأزهر وناقشته طويلا بهذه الثلاثية. وطلبت منه تزويد لبنان بمجموعة من الدعاة والأساتذة، وهو وافق، مشكورا، لكي نستطيع أن تخفف من الإصابات الفكرية التي يمكن أن يتعرض لها الجيل الناشئ. وفي أول لقاء مع وزير الداخلية السعودي سوف أطلب منه خبراء في موضوع المناصحة، التي هي ابتكار الأمير نايف بن عبد العزيز.
* كيف تستطيعون إقناع جمهور “14 آذار” بالحوار مع حزب الله؟ فالبعض يعتبركم شرطة عند حزب الله تضربون أعداءه؟
– أولا، هؤلاء أعداؤنا وأعداء الأمن والاستقرار وأعداء الإسلام، وليسوا أعداء حزب الله. ثانيا، لا شك أن هذا موضوع إشكال داخل جمهور “المستقبل” وداخل جمهور “14 آذار”، والذي ساعد بشكل كبير هو تبني الرئيس سعد الحريري له، ودفاعه عنه بشكل حاسم ونهائي، وقد استطاع أن يضع حاجزا كبيرا أمام انتشار التطرف في البيئة السنية وانتهت أسطورة البيئة الحاضنة. وهذا الأمر يساعد في الوقت ذاته حتى في الجانب الأمني. قطعنا شوطا كبيرا بمعنى إقناع الجمهور بضرورة الحوار، وأهميته للحفاظ على البلد وتخفيف الأخطاء بمعنى أن لا يكون هناك اندفاع عسكري غير مبرر وحدة وقسوة تجاه جمهور الإسلاميين في مناطق وجودنا. وحزب الله تعاون بالمناطق الموجود فيها، فبالمعنى الأمني لم يكن هناك أي عائق بهذه الحركة، وقد ظهر الأمر في البقاع، وسيظهر قريبا في الضاحية. نقاط الاختلاف والنزاع هي نفسها، وكل الذي يحصل هو ربط النزاع لكي يبقى هناك بلد نحتمي به.
* ماذا نتوقع من مؤتمر وزراء الداخلية العرب؟
– التنسيق بين الأجهزة الأمنية لا يتم بمؤتمر، لكن التنسيق على مستوى عال يتم بين الوزراء، والذي حول هذا المؤتمر إلى مؤسسة هو الأمير نايف ومستمر في رعايتها وتحويلها إلى منتدى أمني جدي. هذه ثاني مرة أشارك في المؤتمر، وهذه المرة المشاكل أكبر والأخطار أكبر ما يجعلني مندفعا أكثر لأجد قواعد مشتركة للنقاش. والأهم هل يمكن إنشاء نواة صلبة أمنية عربية لتبادل المعلومات والتنسيق أكثر. نحن في ظرف استثنائي من الدرجة الأولى وبالتالي كل شيء يجب أن يكون قاعدته الاستثناء في هذه المرحلة.
* لاءات المشنوق.. والوقار الضائع
* على مدخل مكتبه في وزارة الداخلية في بيروت، رفع المشنوق 3 لاءات هي بمثابة الممنوعات على زواره أن يحادثوه بها، أولها طلب لوحة تسجيل سيارة بأرقام مميزة، والثانية عدم طلب ترخيص لزجاج داكن لسياراتهم، وثالثها عدم مراجعته بأي معاملة إدارية في دوائر الوزارة.
وفي مكتبه في الوزارة، التي أعاد تأثيثها وتزيينها على نفقته، أول ما يلفت الزائر الكم الهائل من اللوحات الأصلية التي جلبها المشنوق إلى الوزارة. فقد جلب المشنوق المعروف بتذوقه للأعمال الفنية نحو 10 لوحات من وزارة الثقافة وضعها في قاعة الاجتماعات، فيما تكفل بوضع لوحاته الخاصة في داخل مكتبه.
ويغيب “الوقار” اللافت للمشنوق فجأة، قبل أن ينتهي الحديث، عندما تصل ابنته ثريا وأحفاده الثلاثة، الذين أمطرهم بقبلاته، على وعد بلقاء معهم بعد انتهاء الحوار.